ذبح أكراد سوريا: مؤامرة اقليمية – دولية
بسّام الطيارة
التبرير الأول الذي رماه باراك حسين أوباما للتراجع عن قراره بعدم التدخل في الحروب الدائرة في منطقة الشرق الأوسط كان «الدفاع عن الأقليات» وبشكل خاص الأكراد والإيزيديين، فأعلن حرباً على تنظيم داعش وشكل حلفاً تشارك به ٤٠ دولة.
اليوم يذبح تنظيم داعش أكراد سوريا والحلف يكتفي بتحليق طائراته الحربية فوق عين العرب (كوباني) من دون أن يتدخل، وإن فعل فهو يقصف بشكل عشوائي وبصورة متناقضة لما تنشره مسلسلات هوليود حول «قصف في منتهى الدقة لأهداف متحركة» لتمجيد القدرات التقنية الأميركية التي تستطيع إصابة «إرهابي في داخل سيارته» في … اليمن مثلاً.
كيف يمكن تفسير هذا ؟
البرلمان التركي أعطى «كارت بلانش» للحكومة التركية للتدخل في سوريا والعراق بتبريرات متلعثمة وعير واضحة قدمتها السلطات التركية على أنها لإنقاذ «الأكراد». داعش بات على بعد عشرات الأمتار من الحدود التركية ومذات الآلاف من اللاجئين الأكراد اجتازوا الحدودو هرباً من الذبح، والقوات التركية مشغولة بإربعاد الصحفيين عن الحدود والتحقيق مع اللاجئين الأكراد وكيل الشتائم لهم، فاسحة المجال لداعش للتقدم وتسحق المقاومة البطولية التي يظهرها مدنيو كوباني والمقاتلين غير مجهزين.
كيف يمكن تفسير ذلك؟
الأوروبيون والأميركيون هبوا لمساعدة أكراد العراق عندما وصلت قوات داعش إلى التلال المحيطة بجبل سنجار. ألٍى الفرنسيون والألمان وسلاح والعتاد من الجو، وأرسلت أميركا الخبراء لتدريب البشمركة و«أكراد برزاني» للدفاع عن مناطقهم ولصد هجوم داعش المندفع نحو بغداد العاصمة العراقية. أكراد العراق على الجانب الآخر من الحدود على تماس مع داعش ومع ذلك لم يمدوا يد العون لـ«إخوانهم» أكراد سوريا. لم يرسل مسعود البرزاني قطعة سلاح واحدة لمساعدة أكراد سوريا الذين يحاربون داعش العدو المشترك.
وكيف يمكن تفسير هذا التصرف المناقض لكل منطق؟
المعارضة الموصوفة بالـ«علمانية» تقف متفرجة على أكراد سوريا يذبحون من دون أن تحرك ساكناً لنجدتهم (حتى لا نقول مصفقة). صحيح أنه لم يعد لها وزن عسكري على الأرض ولكن كل التحركات ونظاهرات الاحتجاج في العواصم الغربية كانت «كردية ١٠٠ في الـ ١٠٠» بعيدة عن أي تفاعل «وطني سوري».
لماذا؟
قليلة كانت التحركات في العواصم والمدن العربية للتعبير عن تضامن مع الأكراد الذين يذبحون على يد تنظيم تصفه كل تلك العواصم بأنه «إرهابي» وتشارك عدد من الدول العربية في تحالف مهمته مقاتلة هذا التنظيم.
لماذا؟
الأجابات على هذه الأسئلة لا يمكن أن تكون إلا ضمن حلقة المؤامرة التي تصب في مصلحة كل اللاعبين الإقليميين. وقد ساعدت «السذاجة السياسية لزعماء أكراد سوريا» في التحضير لإغلاق تلك الحلقة على مأساة كردية.
بادئ ذي بدء الأغلاط الاستراتيجية لأكراد سوريا:
– تم إنشاء إدارة ذاتية كردية تتصدر للدولة التركية على بعد عشرات الأمتار من الحدود في حين أن أنقرة تعاني منذ عقود «حالة انفصالية لأكرد تركيا» علماً أن حزب الاتحاد الديموقراطي (PYD) معروف عنه قربة من حزب العمال الكردي في تركيا (PKK) «المنبوذ سياسياً» وزعيمه أوجلان في …السجن.
صحيح أن زعماء أكراد سوريا لا يكفون عن القول «إن الحالة السورية مختلفة عن الحالة التركية»… ولكن!
– اكتفت وحدات حماية الشعب الكردية بعد إعلان منطقة الحكم الذاتي بـ «مناوشات» مع قوات النظام السوري أكان ذلك في الحسكة أم في قامشلي. وتعجبت مراراً من أن «المعارضة السورية تنبذها».
صحيح أن المعارضة السورية المكبلة بشوفينية عربية رفضت مراراً «الحديث عن إدارة ذاتية» لأكراد سوريا وحملت خطاباً مساوياً لخطاب النظام.
أما بعد… فالمؤامرة لم تكن بحاجة لأغلاط الأكراد السوريين لتطبق فكها عليهم.
– لا يمكن للحلف الأطلسي إغضاب تركيا أيا كانت الظروف، لذا تفهم الغرب أن المسألة الكردية خط أحمر بالنسبة لأنقرة. ساعد أكراد العراق حلفاء أنقرة وترك أكراد سوريا لمصيرهم. وتركيا لها مطامع في شمال سوريا لا تخفيها كتب التاريخ.
– القوى العربية الإقليمية لا ترى بعين الرضا «انسلاخ» منطقة من دولة عربية لأنها قد تكون مقدمة لسلسلة من الانشقاقات المؤلمة في ظل تفتح شهية الأقليات على الحكم الذاتي، إضافة إلى تأجيج الشوفينية العربية الفارغة.
– كل ما يهم الغرب هو «تحويط» داعش ضمن المناطق الساخنة بعيداً عن بلاد الغرب وفي هذا هو بحاجة لتعاون تركيا أولا وأخيراً أما حقوق الإنسان والأقليات فهذا حديث جميل للإعلام الغربي يتشدق به من حين لآخر.
ؤذا هي مجزرة جديدة في القرن الحادي والعشرين يبتسم لها بعض الأفرقاء الإقليميين ولكنهم جاهلون بأن شظاياها يمكن أن تصيبهم أيضاً… وأولهم أكراد العراق ويليهم أكراد تركيا.
مسكين شعب أعطى الإسلام صلاح الدين الأيوبي… لا بد أنه يدفع اليوم ثمن هذه الانتفاضة في وجه الصليبيين.