عشيرة البونمر وجهت نداء استغاثة لبغداد من دون جدوى
تحقيق ومقابلة (رويترز)
ساعد الشيخ نعيم الكعود – أحد زعماء عشيرة البونمر – ورجاله قوات مشاة البحرية الأمريكية يوما ما في طرد مقاتلي القاعدة من معقلهم بمحافظة الأنبار .. لكن الوضع تغير عندما تعلق الأمر بعدوه الحالي جماعة الدولة الإسلامية.
وقتلت الجماعة المتشددة هذا الأسبوع أكثر من 200 من أفراد عشيرة البونمر انتقاما منهم لمقاومتهم الجماعة على مدى شهور.
ويقول الكعود إن لديه سببا وجيها يدعوه لخشية احتمال اعتقال كثيرين آخرين وقتلهم وإلقاء جثثهم في قبور جماعية دون وجود فرصة تذكر في أن تأتي الحكومة العراقية أو الولايات المتحدة لإنقاذ العشيرة أو أي عشيرة أخرى في أي وقت قريب.
وقال لرويترز في مقابلة إن العشيرة أبلغت الحكومة قبل يوم من الهجوم أن الدولة الإسلامية سوف تستهدف المنطقة وتحدث مع قائد القوات الجوية وعدد من القادة العسكريين الآخرين.
وأضاف أن العشيرة أعطت لهم إحداثيات المناطق التي كان المتشددون موجودين بها لكن أحدا لم يستمع إلى ذلك. وقال إنه لا يدري لماذا لم تساعدهم الحكومة.
ودأب مقاتلو الدولة الإسلامية على إعدام السجناء الشيعة عندما يسيطرون على بلدة لكن قتل أفراد من عشيرة البونمر في مدينة هيت يوم الأربعاء كان فيما يبدو أسوأ عملية قتل جماعي ينفذونها ضد السنة.
وخلال المقابلة التي أجريت في بغداد عرض الكعود وهو عضو في البرلمان العراقي مكالمات هاتفية من أناس نقلوا أحدث المعلومات بشأن عدد القتلى في المذبحة التي لا يزال يجري إحصاء العدد الكامل لضحاياها.
وصمد أفراد من العشيرة لأسابيع تحت حصار من مقاتلي الدولة الإسلامية لكن في النهاية نفدت الذخيرة والوقود والغذاء لديهم الأسبوع الماضي. وانسحب المئات من مقاتلي العشائر. وفقد من بقي من الناس الأمل. وفي نهاية الأسبوع الماضي استولى مقاتلو الدولة الإسلامية على قرية زاوية البونمر.
وقال الكعود إن الدولة الإسلامية نشرت شائعة بأن أي شخص يلقي سلاحه ويتوب لن يلحقه أذى لكنه حذر الناس من الثقة بهم.
وأضاف أنه بدلا من إتاحة ممر آمن قتل مئات الأشخاص رميا بالرصاص ومنهم طلاب جامعيون وبعض كبار السن تم عصب أعينهم وإعدامهم علنا في هيت التي سقطت في أيدي الدولة الإسلامية في وقت سابق من أكتوبر تشرين الأول.
وأضاف أن أغلب من تم العثور عليهم في المقبرتين الجماعيتين كانوا رجالا لكن عثر أيضا على 20 امرأة و13 طفلا في الصحراء.
وقال إن مقاتلي الجماعة أحضروا طفلين يبلغان من العمر ثماني وست سنوات وقتلوهما لأن أباهما كان مع قوات الأمن.
وأضاف ان الدولة الإسلامية تحاصر منطقة البكر شمالي هيت حاليا وتبحث عن 500 شاب حكمت عليهم الجماعة بالاعدام.
وأكد عدد من المسؤولين الحكوميين والمصادر الأمنية وشهود عيان في هيت العثور على أكثر من 200 جثة في مقبرتين جماعيتين يومي الثلاثاء والأربعاء قتلوا رميا بالرصاص من مدى قريب. ولم يتسن الحصول على التفاصيل الأخرى التي رواها الكعود.
وقصة تحول الكعود من مقاتل عشائري حارب القاعدة إلى رجل يحتاج بشدة إلى المساعدة تظهر إلى حد بعيد مدى صعوبة تنظيم العشائر كي تثق في الحكومة وتقاتل الدولة الإسلامية لا سيما في محافظة الأنبار.
وتضم المحافظة الصحراوية الشاسعة بلدات في وادي نهر الفرات تهيمن عليها العشائر السنية وتمتد من الحدود السورية حتى الضواحي الغربية لبغداد.
كانت الأنبار ساحة المعركة الرئيسية بين مشاة البحرية الأمريكية ومقاتلي القاعدة خلال الحملة الأمريكية في 2006-2007 التي كانت أشد مراحل الحرب الأمريكية في العراق دموية عندما تحالفت القوات الأمريكية مع العشائر لمساعدتها في هزيمة القاعدة.
وفي ذلك الحين تسامحت العشائر – المناهضة لبغداد وواشنطن – في البداية مع وجود القاعدة لكنها كرهت هؤلاء المقاتلين وأغلبهم أجانب بعدما فرضوا نظاما وحشيا على القرى التي اعتادت على إدارة شؤونها بنفسها.
وتأمل واشنطن التي تستخدم مرة أخرى الضربات الجوية ضد جماعة الدولة الإسلامية أن تتمكن حكومة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي من تكرار نفس الأسلوب وحشد دعم العشائر مجددا بعدما انتفضت ضد سلفه نوري المالكي.
لكن حتى الآن فإن العشائر التي تجرأت على التصدي للدولة الإسلامية تدفع ثمنا باهظا. وتقول إن بغداد تقاعست عن تقديم الدعم لها.
ودعا المرجع الشيعي آية الله علي السيستاني الحكومة إلى الإسراع لمساعدة العشائر.
وقال في خطاب قرأه مساعد له في مدينة كربلاء عقب صلاة الجمعة إن على الحكومة العراقية تقديم دعم سريع لأبناء هذه العشيرة وغيرها من العشائر التي تقاتل “الارهابيين”.
وقال الكعود إن عشيرة البونمر تصدت للدولة الإسلامية أول مرة في يناير كانون الثاني عندما هاجم مقاتلون يتحركون في حوالي 80 عربة بلدة هيت.
وأضاف أن الدولة الإسلامية اتصلت بهم طالبة السماح لها بدخول المنطقة للمضي إلى هيت لكن العشيرة رفضت وقالت للجماعة إنها لن تمر إلا على جثث أبنائها. وقال إن العشيرة خاضت حوالي 20 معركة مع المتشددين.
وكان الكعود يظن أنه قد يتمكن في نهاية المطاف من إقناع الحكومة التي يقودها الشيعة بإمداد العشيرة بالسلاح الذي يمكن أن يتصدى لترسانة الدولة الإسلامية وأن واشنطن قد تفعل نفس الشيء.
ومقاتلو الدولة الإسلامية حاليا أفضل تسليحا بكثير من ذي قبل منذ أن اجتاحوا شمال العراق في يونيو حزيران واستولوا على أسلحة من القوات العراقية التي فرت أمامهم.
وفي الأنبار يحاصر المتشددون حاليا قاعدة جوية كبيرة وسد حديثة الحيوي على نهر الفرات. ويسيطر المقاتلون على بلدات من عند الحدود السورية حتى مناطق من الرمادي عاصمة المحافظة ومناطق زراعية خصبة قرب بغداد.
وقال الكعود إن الأسلحة التي تمتلكها الدولة الإسلامية تشمل قذائف المورتر والمدافع الرشاشة وبنادق القنص.
وقال إنه خلال تلك الفترة ناشدت العشيرة كل الأطراف – بمن فيها الحكومة والأجهزة الأمنية – تزويد رجالها بالسلاح والذخيرة لكن دون جدوى.
وأضاف أن الوحيد الذي ساعدهم هو قائد فرقة عسكرية زودهم بثلاثين مدفعا رشاشا مصري الصنع وكميات قليلة من الذخيرة.
كان كثير من زعماء العشائر السنية رفضوا التعامل مع نوري المالكي الذي اعتبروه يتبنى أجندة طائفية شيعية.
وحل العبادي الذي اعتبر شخصية تصالحية بدرجة أكبر محل المالكي قبل نحو ثلاثة أشهر وهو ما أنعش الأمل في إمكانية إبرام تحالف بين زعماء العشائر وحكومة بغداد.
لكن الكعود وغيره من الشخصيات العشائرية يقولون إن العبادي لم ينفذ حتى الآن وعوده بتقديم دعم عسكري للأنبار.
ويقول الكعود إن الدولة الإسلامية أقامت علاقات مع زعماء عشائر ومسؤولين آخرين من هيت ساعدوا الجماعة في تهريب أسلحة إلى البلدة عند الاستيلاء عليها.
وأضاف أن هناك 500 شخص من هيت معروفين لديه بالاسم ساعدوا الدولة الإسلامية وسهلوا دخولها إلى البلدة.
وقال إن أعدادهم ليست كبيرة لكن عندما يدخلون أي منطقة ينضم إليهم بعض الناس مضيفا أنه حتى الأسلحة يتم إرسالها مسبقا ثم تأتي قيادتهم بعد ذلك.