روزيتا: حطوة نحو اكتشاف نشأة الارض والنظام الشمسي
انزلت وكالة الفضاء الاوروبية يوم الاربعاء مجسا على مذنب في خطوة هي الاولى في مجال استكشاف الفضاء وتمثل ذورة رحلة بدأت قبل عشر سنوات لكن عطلا في نظام الارتكاز ربما يعيق الابحاث المزمعة حول نشأة الارض والنظام الشمسي.
وهبط المجس -الذي يزن 100 كيلوغرام- على سطح المذنب في الساعة 1600 بتوقيت جرينتش بعد سبع ساعات من الانفصال عن سفينة الفضاء (روزيتا) التي تحلق على ارتفاع 500 مليون كيلومتر عن الارض. وسفينة الفضاء قد قطعت مسافة تقارب 6.5 مليار كيلومتر خلال السنوات العشر الماضية قبل أن تطلق المجس «فيلاي».
غير انه اثناء الهبوط الحر للمجس فيلاي على سطح المذنب تعطل اطلاق الاذرع المصممة لابقاء المجلس ثابتا على سطح المذنب. ويدرس مديرو الرحلة خيارات لضمان ألا يرتد المجس إلى الفضاء مرة اخرى.
وأبلغ ستيفان يولاميك مدير مشروع فيلاي بمركز دي إل آر الالماني للفضاء والطيران اللصحفيين “ربما ان المجس ارتفع مرة اخرى عن سطح المذنب.. ربما لم نهبط اليوم مرة واحدة بل مرتين. نأمل بأن يمكث المجس على سطح المذنب … وان نتمكن من مواصلة سلسلتنا العلمية.”
ويأمل العلماء في ان تميط عينات ستجمع من المذنب اللثام عن تفاصيل حول كيفية نشأة الكواكب وتطور الحياة حيث ان الصخور التي تتكون منها المذنبات تحتفظ بجزئيات عضوية قديمة وتكون اشبه بكبسولة زمنية.
وكانت روزيتا قد بدأت رحلتها في مارس/آذار 2004 ، بهدف إجراء دراسة تفصيلية للمذنب المتجمد الغازي67P/Churyumov-Gerasimenko، إلا أن مهمة المركبة واجهت مشكلة ضخمة منذ سنتين ونصف، حيث سافرت مبتعدة جدا عن الشمس، ما أدى لنفاذ طاقتها، لأنه لم يكن هناك ما يكفي من الضوء لتحوّله البطارية الشمسية العملاقة، التي يبلغ طولها 14 مترا، إلى طاقة.
وتوجهت المركبة نحو كوكب المشتري، لذلك قررت وكالة الفضاء الأوروبية إغلاقها من أجل الحفاظ على طاقتها.
بعدها فقدت المركبة روزيتا الاتصال مع الأرض لمدة 31 شهرا، إلا أنها عادت للحياة مرة أخرى يوم الاثنين 20 يناير/كانون الثاني عام 2014، عندما التقطت وكالة الفضاء الأوروبية إشارتها عن بُعد 807 ملايين كيلومترا عن الأرض.
أما عن المذنب، فهو يواصل طريقه مندفعا داخل المجموعة الشمسية بسرعة تقارب 55 ألف كيلومتر في الساعة، وكلما ازداد اقترابه من الشمس، كلما صار أكثر نشاطا، حيث يذوب الجليد على سطحه وتنبعث منه الغازات، التي ستجعل من الصعب على فريق العمل على الأرض الحفاظ على اتصال المركبة به.
وبلحاق روزيتا بالمذنب تعتبر بذلك أول مركبة أوروبية تزور مذنبا في التاريخ، بينما كانت المركبة “ساكي جاك – Sakigake”، التي أطلقتها اليابان عام 1985، الأولى في التاريخ على الإطلاق، التي تحقق ذلك، عندما زارت مذنب هالي عام 1986.
وقامت المركبة روزيتا بالدوران في مدار شبه دائري حول المذنب على بعد 30 كيلومترا، اعتمادا على نشاط المذنب قبل إطلاق فيلاي.
ويقول سيلفان لوديوت مديرعمليات المركبة الفضائية في وكالة الفضاء الأوروبية: “وصول المذنب هو حقا مجرد بداية للمغامرة الكبرى، ستكون هناك تحديات أكبر، ونحن نتعلم كيفية العمل في هذه البيئة العشوائية، حيث سنبدأ بالمدار وفي النهاية الهبوط على السطح”.
ومع اقتراب المركبة روزيتا من المذنب 67P/Churyumov-Gerasimenko بطريقة لم تحدث من قبل، التقطت صورا كشفت أنه ليس بيضوي الشكل، كما كان يعتقد علماء الفلك من قبل، لكن شكله يشبه كرة القدم الأمريكية، ويضم جزأين متصلين بواسطة عنق، يشبه طائر البط.
 AFP ESA/Rosetta/MPS for OSIRIS Team المركبة الفضائية روزيتا تلتقي أخيرا بمذنبها بعد مطاردة استمرت 10 سنوات في الفضاء
الجدول الزمني لمهمة المركبة روزيتا
2 مارس/آذار 2004: الإقلاع من وكالة الفضاء الأوروبي (ESA) ، من منصة الإطلاق في غويانا الفرنسية بواسطة الصاروخ آريان 5.
مارس/آذار 2005: أصبحت روزيتا في مواجهة كوكب الأرض، واستخدمت جاذبية الأرض بمثابة قوة دافعة لزيادة السرعة.
فبراير/شباط 2007: الدوران حول المريخ على بعد يزيد قليلا عن 200 كيلومتر بمساعدة الجاذبية.
نوفمبر/تشرين الثاني 2007: التحليق ثانية حول الأرض.
سبتمبر/أيلول 2008: روزيتا تقترب من الكويكب 2,867 Steins، على مسافة حوالي 800 كيلومتر.
نوفمبر/تشرين الثاني 2009: التحليق الثالث حول الأرض، والمركبة تصل سرعتها القصوى مع الطيران خلال حزام من الكويكبات.
يونيو/حزيران 2011 – 20 يناير/كانون الثاني 2014: روزيتا تصل إلى أقصى مسافة بعيدا عن الشمس (800 مليون كيلومتر) ومليار كيلومتر عن وطنها الأرض، ووضعت المركبة في وضع السُبات للحفاظ على الطاقة.
يناير/كانون الثاني – مايو/أيار 2014: روزيتا تحصل على جرس إنذار لإنهاء سباتها الطويل، وتطلق المحركات الدافعة تدريجيا للاقتراب من المذنب.
6 أغسطس/آب 2014: روزيتا تصل إلى المذنب و تبدأ برسم مدارات مثلثة حوله على ارتفاع 100 كيلومتر، وعلى مدى الأشهر الثلاثة المقبلة، ستقوم بمسح سطح المذنب بواسطة 11 كاميرا موجودة على متن المركبة، وبالرادار، والموجات الميكروية، والأشعة تحت الحمراء وأجهزة استشعار أخرى.
11 نوفمبر/تشرين الثاني 2014 : روزيتا نزل المجس المسبار Philae الذي يزن 100 كيلوغرام، ومجهز بـ 10 أجهزة، وسيتم إطلاقه من المركبة على ارتفاع حوالي 1 كيلومتر، ليلمس سطح المذنب بسرعة السير العادية، بعدها يطلق قوائمه لتثبيت نفسه، ثم يبدأ بإرسال الصور وإجراء التجارب الكيميائية على عينات الصخور.
نوفمبر/تشرين الثاني 2014 – 2015: المذنب يدور حول الشمس مقتربا منها، حتى يوم 13 أغسطس/آب 2015 ليصبح على بعد 186 مليون كيلومتر عن الشمس.
ملخص لمهمات دراسة المذنبات
مشروع روزيتا هو الأحدث في سلسلة لقاءات المركبات الفضائية بالمذنبات، وقبلها كانت مركبة وكالة الفضاء الأوروبية “جيوتو”، التي مرت عام 1986 على بعد 600 كيلومتر فقط عن المذنب الأكثر شهرة “هالي”، ولكن للأسف، الصور المرسلة من “جيوتو” لم تكن على المستوى المطلوب.
وشهدت السنوات الفاصلة بينهما مزيدا من البعثات مع صور أفضل بكثير، وفي عام 2006 أرسلت وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا” مسبار “ستار داست”، الذي جلب بعض العينات من غبار المذنبات إلى الأرض.
لكن اهتمام العلماء يجعلهم دائما بحاجة لمزيد من التفاصيل والصور أو حتى الغبار.
ولذلك، في عام 2005، أرسلت ناسا مركبة “ديب إمباكت” التي أطلقت المسبار ” impactor” البالغ وزنه 370 كيلوغراما، والذي نجح في مهمة الالتحاق بالمذنب Comet 9P/Temple 1، واستطاع المسبار اكتشاف سطحه وحفر حفرة فيه، بعدها قامت ناسا بإعادة توجيه “ستار داست” لإلقاء نظرة على الحفرة التي حفرها “impactor” .
وقد أظهرت جميع هذه البعثات أنه لا يزال هناك الكثير لنتعلمه من المذنبات وعنها، على عكس ما كان يعتقد “فريد ويبل” عالم الفلك في جامعة هارفارد عام 1950 على أنها “كرات ثلج قذرة”.
الجدير بالذكر أن اهتمام العلماء بالمذنبات يتزايد، حيث لا تزال نظرية حصول الأرض في وقت مبكر على مياهها من جليد المذنبات تلاقي رواجا بين العلماء، ويعتقد بعض الباحثين أن المذنبات أيضا جلبت المكونات الكيميائية للحياة على الأرض.