يقولون «أنصر “داعش” ظالماً أو مظلوماً!»
يحدد البعض موقفه السياسي من حالة معينة نسبة الى العداء الدولي لهذه الحالة الواقعة في مجال “عربسلامي”وما يمثله من نوستالجيا، خصوصاً حين تكون الولايات المتحدة أو الكيان الصهيوني في داخل هذا العداء.
وفقاً لهذه الذهنية التي تنطلق من فهم منقوص لحديث للرسول محمد (ص) يقول فيه “انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُوماً”، ينساق البعض الى تأييد نظام سياسي أو تيار سياسي ديني أو جماعة تعمل في الشأن العام، بحجة أن هؤلاء مُحارَبون من “أعداء الأمة” أو “الكفار”.
وفي الواقع، من يقف الى جانب تنظيم “الدولة الإسلامية” اليوم بحجة أن هذا التنظيم يتعرض لهجمة عالمية شرسة، ينسى أو يتناسى ظروف نشوء هذه الظاهرة السريع، والدعم والتمويل العالميين له. بل هو نفسه هذا الشخص قد يقع في التناقض بين ما كان يقوله عن “داعش” في الأمس بأنه صنيعة الاستخبارات السورية، لتصوير المعارضة ضد نظام بشار الأسد على أنها إرهاب أصولي متشدد، وبين قناعته اليوم بأن هذا التنظيم الدموي يعمل على تطبيق الشريعة الإسلامية ويحقق “العدالة الالهية” للناس في كنف دولته المزعومة.
هؤلاء المتحمسون لـ”داعش” اليوم، رغم كل ما يفعله من جرائم قتل جماعي واغتصاب وسبي وتشريد عائلات وقرى بأكملها (ومعظمها من الفقراء المساكين)، ونهب ممتلكاتها، يسوغون تأييدهم هذا وحماسهم بأن “داعش” عدو أميركا.
هل نسي هؤلاء أن تنظيم “الدولة الإسلامية” هو شركة مساهمة لعدد من أجهزة استخبارات العالم؟ وهل نسي هؤلاء أن كل الأنظمة حتى تلك التي بينها عداوة وبغضاء تشاركت في استخدام هذه الظاهرة من أجل تحقيق أهداف ومصالح لكل منها؟
هل نسي هؤلاء المتحمسون أن عناصر “داعش” هم أول من مزّق العلم الوطني الفلسطيني، الذي يشكل ذاكرة القضية المركزية لهذه الأمة، وداسوا عليه. وهم أول من تنكر لمظلومية الشعب الفلسطيني، فلم يصدر ولو موقف واحد عن “خليفة الدواعش” حول قتال الصهاينة حين كانت غزة تُدمّر على رؤوس أهلها في الفترة الأخيرة. بل هم أكدوا أن أولويتهم قتال الشيعة “الرافضة” والعلوية “النصيرية” والايزيدية والدروز “المشركين”، فقاموا بارتكاب أبشع المجازر بحقهم في موازاة ما كان يقوم به الغاصب الصهيوني ضد الفلسطينيين. ولم تقلّ جرائم “داعش” عن جرائم “اسرائيل” في المنطقة. لتتأكد نظرية المؤامرة التي وُجد من أجلها هذا التنظيم المتطرف، والذي أصبحت جحافله على الحدود مع عدو الأمة العربية الاسلامية في الجولان المحتل، في حين عناصره يسرحون ويمرحون في المنطقة تحت أنظار العدو، ينفذون مخططاته التي عجز هو نفسه عن تنفيذها بجعل المنطقة ساحات قتال طائفي ومذهبي وعشائري في أبشع صوره.
ألم يفكر هؤلاء الإسلاميون المتحمسون لتنظيم “داعش” أن هذا الأخير كان ينفذ جداول عمل مختلفة، أهمها تفريغ أوروبا من “الجهاديين”، وبعضهم مخلصون للاسلام، وحشرهم في منطقتي الشام والعراق للقضاء عليهم وعلى خصومهم من تيارات “جهادية” كانت تشكل الى وقت قريب تهديداً لاسرائيل مثل “حزب الله” و”حماس”. يتم ذلك بعد أن يقوم هذا التنظيم بتنفيذ كل جدول أعمالهم وجعل المنطقة أرضاً محروقة تمهيداً للسيطرة الكاملة عليها. ألا يعرف هؤلاء أن العميل قد يتعرض أيضاً للاغتيال على أيدي مشغّله حين ينتهي من تحقيق أهداف سيده أو حين يعجز عن تحقيقها؟. هذه هي حقية “داعش” وعلاقته بالنظام العالمي الجديد.
لقد أراد الغرب أن يضرب عدة عصافير بحجر واحد فخلق “داعش” من رحم منظمات ماسونية عالمية محترفة في تدريب القتلة وتوجيههم وقيادتهم لتنفيذ مخططاتها التي تصب في أكثر من هدف. وعرفت هذه المنظمات كيف تجعل من “الدولة الإسلامية” والمتحمسين لتطبيق الشريعة عن جهل وغباء، ظاهرة ذات فائدة لكل من سوريا وتركيا على حد سواء وللغرب من ورائهم. فتمكنت الأولى من تحويل صورة الصراع بين شعب يطالب بحقوقه ونظام استبدادي الى حرب بين نظام “يدافع عن شعبه ومقدساته ومقامات أوليائه وإسلامه المعتدل المتسامح” في وجه ارهابيين قتلة مجرمين.
والمفارقة المثيرة للسخرية ان هذا النظام كان أول زبائن “داعش” في سوق شراء النفط. كذلك هي تركيا التي استفادت من “داعش” في اضعاف خصومها الأكراد، وتمكنت من خلال دعمها لهذا التنظيم أن تسيطر على جزء من نفط الموصل طمعاً (في المستقبل كما حلمت دائماً أنقرة) في اقامة كونفدرالية مع هذه الدولة الوليدة الغنية بمصادر الطاقة.
أما أميركا وحلفائها الدولييين، فلا حاجة لتحليل مدى عقم ضرباتهم للتنظيم المتطرف، والتي لا تشكل سوى سيناريو تمثيلي هدفه ابتزاز أموال العرب ونفطهم وبيعهم السلاح والعتاد بمليارات الدولارات بسبب “فزّاعة” اسمها “داعش”.
لقد وقع العرب والمسلمون في نفس الخطأ حين أيدوا المجرم صدام حسين نكاية بالفرس الشيعة، أو معمر القذافي نكاية بحلف الأطلسي و”عملائه”. كذلك هم يقعون اليوم في المغطس نفسه من خلال تأييدهم لتنظيم دموي متطرف نكاية بحاكم ديكتاتوري اسمه نوري المالكي او في مصر عبد الفتاح السيسي الذي خلع الرئيس الاخواني محمد مرسي من السلطة. تماماً كما فعلوا منذ شهور حين كان الغرب يهدد نظام الاسد فوقفوا الى جانب هذا النظام الذي يقاتل شعبه ويترك المعتدي الحقيقي حراً طليقاً مستمتعاً بتراب الجولان ومياهه وأراضيه الخصبة؟.
المفارقة أن حديث النبي عن نصر الأخر كان في سياق آخر لو قرأه هؤلاء بتمعن كما نقله “صحيح البخاري” لما اتخذوا مواقفهم الخاطئة هذه، إذ ان رَجُلاً سأل النبي كيف يمكن نصر الأخ ظالماً فأجاب: “تَحْجِزُهُ عَنِ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ”. فهل باستطاعة هؤلاء المتحمسين للتنظيم الداعشي أن يحجزوه عن ظلمه للناس؟!!