أكراد العراق يناورون سياسياً
ألقى أكراد العراق الذين هم على خلاف مع رئيس الوزراء نوري المالكي بشأن النفط والسلطة تحدياً آخر في وجه الحكومة المركزية التي يقودها الشيعة في بغداد حين منحوا حق اللجوء لنائب الرئيس العراقي السني على الرغم من اصدار بغداد أمراً لاعتقاله.
ويقول محللون إن دور الاكراد المؤثر في لعبة الانتخابات بالعراق تراجع بعد تعزيز المالكي لسلطته وسيحاولون استغلال أزمة نائب الرئيس طارق الهاشمي لتكون ورقة ضغط في نزاعاتهم مع بغداد.
ووفقاً للمحللين، فالأكراد على غرار المالكي وغيره من الساسة العراقيين يلعبون على رهان كبير في لعبة تنطوي على احتمالات لا يستهان بها لزعزعة الاستقرار بعد انسحاب الولايات المتحدة من البلاد التي قد تتأثر صراعاتها العرقية والطائفية بالانتفاضة في سوريا المجاورة.
وتقول المحللة في مؤسسة (اي.اتش.اس) غلوبال انسايت، جالا رياني “كون الاكراد وجدوا أنفسهم وسط هذه الازمة، ومن المرجح أن الولايات المتحدة طلبت مساعدتهم في حل الازمة بدلاً من مفاقمتها، تعني أنهم سيعودون لدورهم كلاعب مؤثر في اختيار شاغلي المناصب الرفيعة”.
وأضافت “من المرجح أن يتعامل الاكراد بهدوء والا يلهبوا الموقف ويحاولوا التوسط فيما يعززون في الوقت نفسه قبضتهم في مواجهة الحكومة الاتحادية لمحاولة حل بعض القضايا المعلقة”.
والاكراد ساخطون بسبب عدم تنفيذ المالكي لوعده بحل النزاعات الممتدة منذ فترة طويلة بشأن عقود النفط والاراضي والحقوق الدستورية التي تعهد بها الزعيم الشيعي حين شكل حكومة اقتسام السلطة العام الماضي.
كما يخشى الأكرد من تعزيز المالكي لصلاحياته وتهميش منافسيه من السنة مثل الهاشمي وصالح المطلك نائب المالكي، بعد أن طلب الأخير من البرلمان اقالة المطلك لانه قارن بينه وبين الرئيس الراحل صدام حسين.
كما أصدر قاض عراق مذكرة باعتقال الهاشمي هذا الشهر فيما يتصل باتهامات بادارة فرق اغتيالات وهو اتهام ينفيه الاخير الذي لجأ للاقامة في اقليم كردستان.
وقالت مصادر كردية إن قرار حماية الهاشمي لم يؤخذ باستخفاف نظرا لاحتمال ان يفاقم التوتر بين اربيل وبغداد. وأضافت المصادر أن تسليمه سيكون أسوأ كثيراً ليس على صعيد العلاقات بين الشيعة والسنة فحسب وإنما ايضاً بين الاكراد والسنة.
وهناك نزاعات بين الاكراد والعرب السنة على أجزاء من محافظات كركوك ونينوى وديالي وهي محافظات مجاورة للمحافظات الثلاث التي تتكون منها منطقة كردستان.
وقال المتحدث باسم الاتحاد الاسلامي الكردستاني، صلاح الدين بابكر، إن المالكي يريد تهميش السنة ولا يريد تحقيق مطالب الاكراد وأضاف أن هذا غير مقبول.
ووصل ائتلاف دولة القانون بقيادة المالكي الى الحكم بفضل الاكراد الذين ساندوه مقابل تعهدات مكتوبة بحل قضايا منها قانون النفط والغاز الذي طال انتظاره والاراضي المتنازع عليها وسداد أموال لقوات الأمن الكردية المعروفة باسم البشمركة.
وفازت كتلة العراقية المدعومة من السنة بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات البرلمانية التي جرت في اذار/ مارس 2010 لكنها لم تستطع تكوين ائتلاف حاكم. وحصلت الكتلة التي يعتبر الهاشمي والمطلك من ابرز قياداتها على بعض المناصب المهمة في اتفاق أبرم فيما بعد لاقتسام السلطة.
وقال بابكر ان كتلتي العراقية ودولة القانون تسعيان للحصول على دعم الاكراد وان من الطبيعي التعاطف مع العراقية وزعمائها، مشيراً الى أنه يمكن استغلال هذا الخلاف المتصل بالهاشمي كوسيلة للضغط على المالكي لتحقيق مطالب الاكراد.
ويحاول الاكراد تعزيز موقفهم في المحادثات مع حكومة المالكي بشأن الاراضي المتنازع عليها واتفاقات النفط مع عملاقة النفط الاميركية ايكسون موبيل التي تقول بغداد انها غير قانونية.
ومنذ ذروة أعمال العنف الطائفي عامي 2006 و2007 ازدادت الحكومة المركزية في بغداد قوة وانخفضت حدة أعمال العنف وباتت الائتلافات السياسية اكثر تنوعاً من الناحية الطائفية وهي اتجاهات قد تثير الصراعات الاخيرة على النفوذ شكوكاً بشأنها.
ولدى الاكراد الكثير الذي قد يخسرونه في منطقتهم الواقعة بشمال العراق.
وبعد أن عانوا من قمع وحشي في عهد صدام، أصبحوا أحد اكثر القوى السياسية تماسكاً بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 وعززوا وضعهم من خلال الدعم الاميركي لهم علاوة على حفاظهم على وحدتهم التي توصلوا اليها بعد حرب أهلية كردية في التسعينات.
وبعد حرب الخليج عام 1991 أقامت القوى الغربية بالتعاون مع تركيا ملاذاً آمناً في شمال العراق للاكراد الذين يحاولون منذ غزو 2003 استغلال مواردهم الطبيعية للشروع في بناء شبه دولة داخل العراق الاتحادي.
ولكردستان العراق التي يطلق عليها اسم “العراق الاخر” وزاراتها وبرلمانها وقوات الامن الخاصة بها. وترفرف الاعلام الكردية بألوانها الاحمر والابيض والاخضر فوق المباني في اربيل عاصمة المنطقة ومقر حكومتها.
واربيل عامرة بالمباني الجديدة الشاهقة ومراكز التسوق. وتتداخل في المشهد الطرق الدائرية التي مدت حديثاً والجسور العلوية مع السيارات الكورية واليابانية.
واجتذبت كردستان الاستثمارات الاجنبية ووفرت لسكانها اوضاعاً أمنية ومعيشية افضل من بقية أنحاء العراق حيث تمثل التفجيرات وانقطاع الكهرباء جزءا من الحياة اليومية.
ويحلم الاكراد بالاستقلال منذ فترة طويلة لكن المنطقة الواقعة بالشمال المحاطة بسوريا وتركيا وايران مازالت تعتمد بشدة على العراق مما يجعل حلم اقامة الدولة غير واقعي في الوقت الراهن.
وتتعرض كردستان للقصف والغارات الجوية من تركيا المجاورة كما استهدفت ايران معسكرات تابعة لجماعات متمردة مثل حزب العمال الكردستاني وحزب الحياة الحرة الكردستاني والتي يختبيء عناصرها في جبال العراق على الحدود.
وعلى الرغم من الاستثمارات الاجنبية في العقارات والسياحة، فإن كردستان تعتمد على حصتها من الميزانية الاتحادية ونسبتها 17 في المئة بناء على تعداد سكانها. ويأتي 95 في المئة من هذه الميزانية من صادرات العراق النفطية التي تبلغ نحو 2.2 مليون برميل يومياً.
غير ان النجاح النسبي الذي حققه الشمال الكردي جعل منه نموذجاً تتطلع اليه المناطق الاخرى التي تسعى الى مزيد من الحكم الذاتي.
ونتيجة للخلافات السياسية في بغداد والخصومة بين الاحزاب الشيعية والسنية والكردية تدعو محافظات مثل البصرة التي يغلب على سكانها الشيعة في الجنوب ومحافظتي صلاح الدين وديالي ويغلب على سكانهما السنة في وسط وغرب العراق الى المزيد من الحكم الذاتي لمناطقهم.
ويؤيد الدستور الحكم الذاتي لكن حكومة المالكي حاولت اخماد الحركة نتيجة للمخاوف من أن يؤدي تقسيم العراق الى زعزعة الاستقرار بعد الانسحاب الامريكي.
وقال النائب الكردي بالبرلمان العراقي، شوان محمد طه، إن العراق أثبت جغرافياً وسياسياً للجميع أنه منقسم الى ثلاثة أجزاء شيعية وسنية وكردية. وتابع أن كردستان تؤيد انشاء مناطق جديدة وفقاً للاجراءات الدستورية.
وأضاف أن انشاء المناطق الجديدة لا ينطوي على تقسيم للعراق وانما هو وسيلة للحفاظ على التماسك.
وقال انه اما يتمكن العراقيون من التعايش معا بطريقة جيدة او سينتهي بهم الامر الى سفك الدماء.