هل يتفاوض الغرب مع «داعش»؟
أليكس وايتنج – رويترز (خاص مؤسسة تومسون)
عندما يقول بادريج أومالي إن علينا التحدث مع الدولة الاسلامية فهو يتكلم انطلاقا من خبرته. فقد قرب أومالي الوسيط المخضرم المسافات بين الاطراف المتحاربة في العراق في ذروة الصراع الطائفي خلال عامي 2007 و2008 وأسفرت جهوده عن اتفاق شكل أساس المصالحة السياسية في العراق وساهم في الحد من العنف. وأمكنه انجاز ذلك بمساعدة مفاوضين من جنوب أفريقيا ومن ايرلندا الشمالية حيث كان له دور كبير في التوصل إلى اتفاق عام 1998 الذي أنهى 30 عاما من الصراع الطائفي.
قال أومالي في مقابلة أجريت معه عبر الهاتف من بوسطن بولاية ماساتشوستس التي يعمل فيها أستاذا جامعيا “لابد من ايجاد وسيلة بمرور الوقت للتحدث مع الدولة الاسلامية. فلن تتمكنوا من محوها ببساطة. ستعاود الظهور في صورة مختلفة.” وأضاف “لا أعتقد أننا نفهم في الغرب أو ربما أي إنسان ظاهرة الدولة الاسلامية ودرجة حنكتها في اجتذاب الشبان من كل أنحاء العالم فهما كاملا.”
ويعمل أومالي أستاذا للسلام والمصالحة بجامعة ماساتشوستس بوسطن وهو أصلا من دبلن وله خبرة تمتد نحو 40 عاما في الوساطة. واستشهد أومالي باستطلاع للرأي أجراه مؤخرا المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومقره قطر في ست دول عربية وتوصل إلى أن الفلسطينيين من أشد مناصري الدولة الاسلامية تأييدا لها.
وأضاف أن هذا يمثل اكتشافا مذهلا لأن الدولة الاسلامية تركز على إقامة دولة الخلافة ولا تستهدف تدمير اسرائيل موضحا أن هذه النتيجة قد تؤدي إلى عواقب وخيمة لا يعرف أحد مداها. وقال أومالي “هل هذا لأنهم (الفلسطينيون) وصلوا إلى مستوى من اليأس فيما يتعلق بمستقبلهم يجعلهم يلجأون إلى أي جهة؟ وأن الدولة الاسلامية يمكنها أن تقدم لهم شيئا له معنى لحياتهم؟”
* كيف تتفاوض مع الدولة الاسلامية؟
يجب أن يبدأ التفاوض مع الدولة الاسلامية من خلال وسطاء مقربين من الجماعة – كأفراد من أثرياء السعودية وقطر وغيرهما من الدول العربية “ممن يغترفون المال ويعطونه” للمقاتلين. ويستغرق إقناع أي جماعة مسلحة بالتفاوض مع أعدائها وقتا طويلا. وتبدأ هذه العملية بتطوير العلاقات وبناء الثقة مع الناس في المستويات الأدنى للأطراف المتحاربة ثم الصعود بالتدريج إلى المستويات الأعلى.
ويقول أومالي “هي عملية شخصية للغاية.” ويضيف “جزء من مشكلتنا في الغرب أننا نظن أن هذه الأمور يمكن أن تحل بسرعة.
“ولا بأس بذلك باستثناء أن الناس في مناطق أخرى من العالم لا تفكر بهذه الطريقة أو أننا لا نملك الفهم الكافي لعمق الانقسامات فيما بينهم.” وقال أومالي إن الهوة التي تفصل بين الشيعة والسنة في الشرق الاوسط عميقة جدا.
وتعد هذه الهوة أحد الأسباب التي أدت إلى ظهور الدولة الاسلامية التي يدعمها زعماء عشائر سنية في العراق يشعرون أن الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة في بغداد تحرمهم من حقوقهم. وقال أومالي “هذه الهوة بغيضة وترجع إلى عهد بعيد في التاريخ ولذلك لا يمكن جسرها ببضع لفتات ومؤتمرات أو بالعناق.”
ويتنبأ أومالي بأن العراق لن يكون موجودا بصورته الحالية خلال عشر سنوات. ويضيف أن الأكراد سيعلنون في المستقبل القريب استقلالهم عن العراق وأن ما يحرزونه من نجاح في التصدي للدولة الاسلامية سيشجعهم على ذلك.
* العودة للعراق
وقع على اتفاق هلسنكي لعام 2008 الذي ساهم أومالي في التفاوض عليه أطراف سياسية من جانبي الصراع بين السنة والشيعة.
وينص الاتفاق على وضع نهاية للفساد والطائفية في الوظائف العامة لكنه لم ينفذ قط. وهيمن الساسة الشيعة على الحكومة وشعر السنة على نحو متزايد بتهميشهم.
وقال أومالي “مثل أغلب الأشياء في العراق في تلك المرحلة وبينما كان الكل يتصافح لم يحدث شيء قط لهذا الاتفاق.” وأضاف أنه يعتزم العودة للعراق عندما يصبح رئيس الوزراء الجديد حيدر العبادي “أكثر ثباتا في منصبه وطرح اقتراح أن يجمع العبادي من جديد كل الموقعين على الاتفاق ومن بينهم الرئيس الحالي ورئيس الوزراء وأعضاء مجلس الوزراء وزعماء كل الأحزاب في برلمان العراق. واستطرد “ما سأؤكد عليه شيء مهم لكل العرب ألا وهو الشرف. فهل ستوفون بما وقعتم عليه أم لا؟”
* مجتمعات مريضة
وقال أومالي إن الكل يخرج من الصراع وهو يعاني من ضغوط شديدة تفتح الباب لمجموعة من المشاكل تتراوح من العنف الأسري إلى الإدمان إلى شرب الكحوليات إلى توقف مشاركة قطاع كبير من افراد المجتمع. وأضاف “لا يمكنهم حل مشاكلهم من تلقاء أنفسهم لأنهم مرضى. هم في واقع الأمر مرضى. ولا أحد يعالجهم.” وتابع “لابد أن تسأل كم عدد الذين قتلوا في العراق نتيجة للتدخل الأمريكي هناك عام 2003…؟ كم عدد من نزحوا عن ديارهم؟ وكم عدد المفقودين؟” واستدرك قائلاً “هذا البلد لا يفكر فيهم. ولا يفكر قط في الآثار التي قد تلحق بالأعضاء الباقين على قيد الحياة من هذه الأسر.”
ويتذكر أومالي كيف علق في بغداد وسط السيارات قبل عامين بسبب عمليات تفجير. وأضاف “العراقيون في السيارة لم يشتكوا من القنابل وكان كل ما اشتكوا منه هو بقاءهم ساعتين بلا حراك وسط السيارات. وقال “تعودوا على القنابل والموت … حتى أنه لم يعد سببا مهما لاي صدمة من أي نوع.”
ومن خبرة أومالي أن المجتمعات المقسمة تكون في أفضل وضع لمساعدة بعضها بعضا. ولهذا السبب طلب من مفاوضين في جنوب أفريقيا المساعدة في ايرلندا الشمالية وأن يساعد الطرفان العراقيين.
والآن يعمل أومالي على جمع المدن المقسمة ومن بينها بغداد وبلفاست والقدس وكركوك وميتروفيتشا وسراييفو كل عام لتبادل الخبرات وذلك من خلال منتدى المدن التي تمر بمراحل انتقالية. ويضيف “مساهمتنا الصغيرة هي أن يعترفوا بمرضهم ويساعدوا بعضهم البعض.”