سوريا: لا أحد يريد حلاً سياسياً
باريس – بسّام الطيارة دمشق – بدري ونوس (خاص)
لا أحد يريد حلاً سياسياً للحرب الدائرة في سوريا: لا الحكومة السورية ولا معارضة الداخل ولا معارضة الخارج ولا «النصرة» وبالطبع لا يريد تنظيم داعش الحديث عن حل لا يهمين من خلاله على «بلاد الشام». هكذا يصف الوضع سفيراً غربياً سابقاً في منطقة الشرق الأوسط.
أولا: الحكومة السورية زادت من وتيرة ضرباتها الجوية بشكل عشوائي وذلك إن دل على شيء فهو على رهانين لا ثالث لهما: ١- يرى النظام السوري أنه محشور عسكرياً في الشمال حيث تتراجع قواته بشكل بطيء ولكنه متواصل وفي الجنوب حيث تتداخل عوامل عدة خارجية لتزيد من عناصر قوة المعارضة وبشكل خاص «النصرة» في منطقتي درعا والجولان. ٢- يدرك النظام السوري أنه في حال توافرت شروط المطالب الروسية لجمع المعارضة وممثلي الحكومة السورية في موسكو فهو لا يستطيع أن لا يلبي الدعوة خصوصاً وأنه بات ظاهراً أن هذه المبادرة الروسية تحظى بدعم علني مصري وبالتالي سعودي ودعم غير معلن أميركي وبالتالي الغرب ودعماً إيرانياً وبالتالي حزب الله. ويفسر هذا ما قامت به الحكومة السورية في الأيام الثلاث الأخيرة حين شنت ما يعادل الـ ٤٧٤ غارة نفذتها طائرات مروحية وطائرات مقاتلة استعملت الصواريخ الموجهة والبراميل المتفجرة في مناطق عدة ما أسفر عن مقتل وجرح مئات من المدنيين.
ثانياً: تزداد التشققات في أطايف المعارضة في الخارج بشكل متزايد ما يدفع أقطابها إلى مزايدات تبعد أي بارقة أمل بإمكانية إيصال المبادرة الروسية إلى حيز «بداية التنفيذ». ١- أعلنت هذه المعارضة عن التحضير للقاءين في القاهرة وفي واوسلو في محاولة لتقريب وجهات النظر بين الأفرقاء تحضيراً لـ« لقاء موسكو». وفي حين يتكلم البعض عن البحث عن إنشاء «أطر جديدة تمثل الائتلاف الوطني السوري» يرى البعض الآخر في هذا محاولة لكسر الائتلاف. ٢- وتبدو الصورة أوضح في أي مقاربة لمسألة انتخاب رئيس جديد للائتاف خلفاً لـ«هادي البحرة» بعد أن تقدم أقطاب من الائتلاف وبينهم رؤساء سابقين (برهان غليون ومعاذ الخطيب) بمشروع «إعادة هيكلة الائتلاف». ٣- وفي نفس الوقت يتنافس الخطيب وغليون في مجال المزايدات فيهدد الأول ويتوعد حليف النظام «حزب الله» عبر خطاب يطلب منه «سحب قواته لدرء مصيبة استمرار النزاع السني الشيعي». فيما يكتب الثاني على صفحته في فيسبوك «أن لا حلاً من دون تفكيك النظام ومحاكمة رجاله». ٤- فيما تستمر قيادة الائتلاف بالتلويح عبر ورقة عمل يتداولها أفراد اائتلاف بأن هدف اللقاء في موسكو هو نفس توصيات لقاء جنيف، وأن أي مفاوضات يجب أن تقود إلى تسليمها السلطة دون قيد او شرط . وهنا السؤال: هل يمكن هذه المواقف جلب النظام إلى موسكو في سعي لحل سياسي.
ثالثاً: المعارضة الداخلية تحوذ اليوم على دعم معنوي كبير من روسيا ومن مصر بشكل خاص ومن الولايات المتحدة ومن الأردن بفعالية «لوجيستية» ومن فرنسا وتركيا بفعالية «كلامية» كما يصف الأمر أحد أقطاب هذه المعارضة الداخلية. يتركز الدعم على بعض المكونات أبرزها هيئة التنسيق ، وتيار بناء الدولة. ١- إلا أنها بخلاف الوضع في بداية الثورة فهي وإن تواجدت في الداخل فهي لم تعد «تمسك بالأرض» وتقوم بتنسيق المساعدات وتقديم الخدمات كما كانت تفعل في السابق عبر شبكات التعاونيات وتنسيقيات الأحياء. فالأرض السورية باتت مقسمة إلى أربع مناطق غير متداخلة مناطق سيطرة النظام وهي المدن الكبرى ونصف مدينة حلب وغرب سوريا الساحلية، ومناطق الشمال تتقاسمها القوات الكردية و«النصرة» و«داعش» وفي الجنوب توجد فقط قوات لداعش والنصرة وبينهما بعض مناطق نفوذ للجيش السوري الحر المتكئ على الحدود الأردنية. ففي مناطق سيطرة النصرة وداعش لا نفوذ البتة للمعارضة الداخلية بسبب الخوف من بطش الجهاديين وفي كافة هذه المناطق باتت المساعدات الأممية تصل مباشرة تحت إشراف الممسكين بالأرض. ٢- لا تستطيع المعارضة الداخلية تنظيم نفسها بسبب عدم ثقتها بالنظام الذي يتحدث عن انفتاح عليها فيما هو يضيق على زعمائها ويزجهم بالسجون من حين لآخر. ٢- يدفع هذا بزعماء المعارضة الداخلية للتقرب من المعارضة الخارجية من رجالات الائتلاف السوري على مثال «مؤتمر قرطبة»، ويرون أن في الدعوة الروسية «الموجهة فقط لأشخاص» وليس لتنظيمات خشبة خلاص لها بعد أن ذاب نشاطها على الأرض بفعل الأعمال الحربية التي لا تفرق بينها وبين «أي معارضة على الأرض».
رابعاً: من الطبيعي أن جبهة النصرة لا تسعى لتسهيل ذهاب المعارضات للاجتماع بأركان النظام السوري. ١- فهي من جهة زادت من وتيرة عملياتها العسكرية التي تستهدف المدنيين (قصف العاصمة دمشق بالهاون) وإعادة إشعال جبهة ريف دمشق والقلمون. ٢- وجّهت رسالة انتقاد مباشرة لمبادرة المبعوث الدولي دي مستورا جاء فيها «نقولُ لأهلنا في الشّام إنّ غزوات جبهة النصرة على النصيرية (في إشارة الى النظام السوري) ومن والاهم، لن تتوقّف ولن يستطيعَ أحدٌ وقفها، ونقول للمدعو دي ميستورا وعملاءِ الغرب إنّهم – بإذن الله – لن يثنونا عَن طريقِنا في حمايةِ أهلِنا المستضعفين في الشام، وسنستمر في جهادِنا حتّى النصرِ أو الشهادة».
السؤال إذا كان تجميد القتال في حلب يستجلب هكذا تصريح فما حال الحل السياسي؟
خامساً: من العبثية البحث في موقف تنظيم داعش من الحل السياسي، لا بل أن من مهمات التنظيم خربطة أي تقارب بين المعارضات والنظام السوري لأن ذلك يعني أولاً وأخيراً «توجيه كافة النبدقيات السورية لمحاربته ومحاربة النصرة» تحت بند محاربة الإرهاب.
أمام هذه العناصر الخمسة التي تبني تكويناتها عقبات أمام «آلحل الروسي» يبقى أن الديبلوماسية الروسية بدعم مصري صريح تسعى للعمل على توحيد مواقف المعارضات السورية المشتتة على اعتبار أنه يمكن الوصول إلى نتيجة بسبب تراجع نفوذها، قبل الالتفات إلى النظام السوري ودعوته للحضور للوصل إلى «حل هو الأقرب من مقررات جنيف ١» مع وضع جانباً النقاط الخلافية مثل تنحية الأسد أو التنازل عن السلطات مع تقديم ضمانات للطرفين. حتى الآن يبدو المسار في إطار إيجابي ولتقييم مدى نجاح الديبلوماسية الروسية وجب انتظار عقد «مؤتمر موسكو» في نهاية الشهر المقبل أول أشهر سنة ٢٠١٥.