- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

العالم من دون… العرب

نقطة على السطر

بسّام الطيارة

لنترك «الربيع العربي» ولنلتفت نحو العالم… هذه السنة هي سنة انتخابات في الولايات المتحدة. باراك حسين أوباما يترشح لدورة جديدة وكذلك عدد من زعماء أوروبا ومنهم نيكولا ساركوزي، الرئيس الفرنسي. الانتخابات الأميركية تؤثر مباشرة على معظم دول العالم ومنها أوروبا. رغم ذلك فإن الأنظار لا تتوجه إلى واشنطن هذه الأيام بل إلى الشرق، ليس لمتابعة جمرات الربيع العربي التي ما زلت حمراء تحت الرماد في البحرين واليمن ومصر، وبشكل مختلف في ليبيا وحريق كبير يأكل بلاد الشام، ولا إلى إيران التي تجرب صواريخ بعيدة وقصيرة المدى فوق الأميركيين في مضيق هرمز، ولا حتى نحو باكستان حيث الحياة السياسية تائهة بين الفساد المستشري في البلاد عند الطبقات الحاكمة وبين سباق ضربات السلفيين وضربات الطائرات الأميركية. النظر شرقاً يتجه أبعد من ذلك، نحو الصين، ليس لأنها تملك أكبر احتياط نقدي في العالم وباتت «خزنة العالم» ولكن لأنها مدت يدها وقبلت التعاون مع اليابان خصمها منذ عقود.

إن التقارب الصيني اليابان يمكنه أن يغير وجه العالم وذلك بعيداً عن أي إفراط في الوصف. إذ إن ذلك يعبر عن انطلاق بكين في استراتيجية جديدة لترسيخ مركزها كقطب يقابل القطب الأميركي، ما يعيد للعالم ثنائية القطبين التي سادت سابقاً بين واشنطن وموسكو. ويدرك المسؤولون الصينيون أن «الثروة الصينية» ليست الرافعة الوحيدة للوصول إلى مركز القطب، ولا حتى إطلاق صواريخ وبناء حاملات طائرات، وتبوّء الصدارة في التجارة العالمية وصفة «مصنع العالم» وتكديس الأموال. تدرك بكين أن هذه الثروة وهذا التقدم الذي أدهش العالم لا يصيب إلا ١٠ في المئة من سكان الصين البالغ عددهم ١،٤ مليار نسمة. فبكين تنافس طوكيو على موقع ثاني قوة اقتصادية في العالم، المنافسة حادة، إلا أنها لا تخفي كون عدد سكان اليابان لا يتجاوز الـ ١٢٨ مليون نسمة. وتوزيع الثروة الوطنية في الأرخبيل الياباني متوازي بشكل صحي اقتصادياً واجتماعياً، بعكس ما هو الوضع في الصين حيث فقر مدقع في غرب البلاد يخل بتوازنها الاجتماعي ويهدد بـ«ربيع أصفر»، أضف إلى ذلك أن الثروات البشرية أيضا غير متوازنة ونسبة الاندماج في النمو التقني والحداثة التطبيقية في مقاطعات الداخل هي شبه معدومة بعكس «خط ساحل الشرق» الصيني، حيث تعادل مستويات التقدم التقني معدلات الجارة اليابانية. إلى جانب ذلك، رغم صعود نجم البضائع الصينية، فهي ما زالت بحاجة لتحسين نوعية منتجاتها بشكل كبير، إذ إن مقياس الجودة بين المنتجات اليابانية والصينية هو ٢ إلى عشرة لصالح اليابان بالطبع، إذا وضعنا جانباً المنتجات الصينية التي تصنع بإشراف غربي… أو ياباني للاستفادة من يد عاملة صينية رخيصة.

إذا هذا اللقاء هو لقاء مصالح، فالصين لديها سوق كبيرة فضلت تركها والإلتفات إلى التصدير لتكديس العملات الأجنبية وتبين عقم هذه السياسة. واليابان لديها فائض إنتاجي وتحتاج لاستثمارات هائلة لإعادة إطلاق عجلتها الاقتصادية بعد كارثة فوكوشيما، كما أن اليابان لم تعد تسعى وراء التصنيع بالمعنى السابق إذ إن معظم مصانعها الثقيلة بات في مناطق خارج الأرخبيل و٣٤ في المئة متواجدة في الصين.

إلا أن هذا التقارب له أبعاد سياسية لا شك فيها إلى جانب الأهداف الإقتصادية أو المالية. خير مثال اتفاقية تبادل العملة بين البلدين «مباشرة من دون المرور بالدولار». وبالطبع يعتقد البعض أن الصين هي التي تدفع بهذا الاتجاه لجذب اليابان من تحت المظلة الأميركية. قد تكون هناك نيات في هذا الاتجاه لدى حكام بكين، إلا أن اليابان منذ ثلاث سنوات وقعت مثل هذا الاتفاق مع الهند وجددته منذ أيام، ما يدل على أن طوكيو، لربما بسبب ضعف الاقتصاد الأميركي، بدأت تفكر بفصل قسم كبير من تجارتها الخارجية عن الدولار ولا تكتفي بذلك بل تجلب في سياق سياستها المالية هذه أكبر قوتين صناعيتين صاعدتين اليوم. ولا ترى بكين في هذه السياسة إلا إيجابيات تمنعها من الانفراد في مواجهة مالية مع واشنطن.

هي المصالح الآسيوية التي بدأت تبتعد رويدا رويدا عن «المركز الغربي» لتبني «مركزاً شرقياً». بانتظار بناء «مركز عربي» .

(مرة ثانية) كل عام وأنتم بخير.