نساء العرب خارج الفرديّة الجديدة
ربما ستملي علينا الأحداث التي تشهدها منطقتنا العربية تغيير الكثير من التسميات والمسميات، وقد لا نبالغ اذا ما قلنا إن الكثير من المفاهيم التي كانت سائدة وتعتبر مسلم بها قد تغيرت اليوم وتغير معها بالتالي الكثير من المعطيات. ولا أدري الى اي مدى يصبح القول صحيحاً أننا نشهد حقبة جديدة ولكن يبقى السؤال ماذا تحمل لنا؟
ثمة تغير وتحول وتبدل ونضوج لمعظم القيم الثقافية، والسياسية، والاجتماعية، والفكرية التي سادت مجتمعاتنا لفترات طويلة وشكلت أنساقه. هذا التحول والتغير أدى الى اعادة تشكيل هذه الأنساق والمكونات الاجتماعية وقيمها، فما كنا نراه بالأمس سلبيا قد نراه اليوم ايجابيا، وما كان مرفوضا في الماضي، أصبح اليوم مقبولاً .
وثمة اجماع بانتقال العالم كله ليصبح جزءاً من النظام العالمي الجديد، بفرديته المطلقة، التي أضحت شرطاً من شروط الانضمام لهذا النظام، فيسعى فيه الفرد الى انتزاع حقوقه من السلطات والجماعات، ومن الفضاء الاجتماعي برمته، فانتشرت قيم عالمية مثل الحرية والعولمة والحداثة، والحقوق الفردية، وبرزت كأولوية قيمة العقل الفردي وانتهى عصر العقل الجمعي، لأن قضية حقوق الأفراد الآن هي جزء أساسي من تركيبة المجتمع الحديث وقيمه، شئنا أم أبينا.
نتحول ضمن القيمة الواحدة للفرد من منظور الحيز الضيق الى الحيز الأضيق منه ضاربين بعرض الحائط منظومة النمط الاجتماعي بشكله الكلي كجامع لمصالح الأفراد أو على الأقل هكذا عليه ان يكون، اذن هل هو زمن النمط الفردي قادم مع هبوب رياح التغيير؟، أم بإمكاننا القول إننا في حالة ضمور للفضاء الاجتماعي، وما يقاوم هذا الفضاء ويرفضه هو الذات الفردية نفسها التي تتوق للانعتاق من قبضة اتساع هذا الفضاء الذي لم يعد يلبي طموحاتها في المضي قدماً في فرديتها وتحت شعارات شتى يأتي في مقدمتها الحرية والعدالة؟
فنحن اليوم أمام شكل جديد لعالم معولم، بلغت فيه القضايا الثقافية الفردية أهمية كبرى، فالعالم لم يعد اجتماعياً، والدليل على ذلك ضعف الروابط الاجتماعية أو حتى انقطاعها، وتغير منظومة الأخلاق العامة التي كانت تسود في الماضي لتحل محله منظومة جديدة من الأخلاق والقيم والمفاهيم تشكلت بفعل هذا التحول، والتي أطلق عليها آلان تورين اسم “الفردانية المفككة” .
فتغيرت وكالات التنشئة الاجتماعية، من الاجتماعي الى الفرداني ايضاً، ولم تعد المدرسة والبيت والأسرة، أو حتى المؤسسة الدينية تشكل الثقافة السائدة، وحلت محلها وكالات التنشئة الجديدة التي شكلها العالم الافتراضي، نمط حديث منفتح على ثقافات مختلفة وبعيدة، وانتشرت قيم ثقافية جديدة امتدت لتصل الى الأفراد بمختلف توجهاتهم وقيمهم وصفاتهم، وتؤثر فيهم .
فانتصار القيم الفردية الحديثة أسقط المعايير الأجتماعية السابقة، وبرز هذا الانتصارعلى السطح بتغلغل العنف بأشكال متعددة في مجتمعاتنا، وتزايدت المطالبات الثقافية، بشكلها الطائفي، أو الشخصي، وبدأت المطالبات بحقوق ثقافية لثقافات متعددة، وليدة النمط الجديد .
فاين وصل المطاف بالمرأة؟ وهل أضحت أمواج التغيير تتقاذفها من شاطئ الى آخر، وكأن شعارات الحرية قد طفت على السطح ولكن لتخرج لنا مارداً ذكورياً يقطف ثمار التغيير المتأتي من الربيع العربي، ولا يخصص لها نصيباً من هذا القطاف.
المرأة العربية، والتي يفترض أن تكون شريكاً أساسياً في هذه المنظومة الحديثة، ما زالت مجتمعاتنا الشرقية تقاوم فكرة انضمامها الى النمط الجديد، وما زالت تحصرها في القالب الاجتماعي، ويتفرد المجتمع الذكوري بمضامين الفردية الجديدة وقيمها، فيرفض شراكتها في ساحات التحرير والميادين العامة وكلنا شاهد على ما حدث في ساحة التحرير في مصر، لقد بدأت عملية رفض لهذه الشراكة من داخل النسق الأسري، وانتشرت الى باقي الأنساق التي يتكون منها المجتمع، فتقاوم فردية المرأة أولا برفض تشكيل مساحتها الخاصة بمعزل عن محيط اجتماعي يكون فيه الرجل هو صاحب السلطة والقرار، وتمتد لتشمل أنساق المجتمع كافة.
فقلائل هن النساء اللواتي خرجن لسوق العمل لاثبات الذات وتحقيق الاستقلالية، وقلائل هن النساء اللواتي يمتلكن سلطة ادارة نتاج عملهن الذي يذهب في الغالب لصالح المحيط الاجتماعي، وتحت ادارة رأس السلطة الذكورية. اذن نحن أمام حالة مقاومة حقيقية لفردانية انتشرت في كل العالم وطالت نساءه ورجاله، الا المرأة العربية.
يتطور العالم ويتغير المجتمع نحو الحداثة وتبقى المرأة العربية تراوح مكانها، ان أهم مكونات الحداثة والمجتمع المعولم، هو الايمان بالعقل، ثم الاعتراف بحقوق الأفراد، فالأول شرط أساسي لتحقيق الابداع، والثاني هو شمول الحقوق لجميع الأفراد، مهما كانت أجناسهم وأوصافهم .
لقد خرجت المرأة العربية خارج النظام العالمي الجديد، أو أخرجت منه، وفقدت ما يندرج تحته من حريات وحقوق ومساواة، وثقافة الماضي التي كانت تسرف في الاعلاء من قيمة الرجل والحط من قدر المرأة سقطت سقوطاً مروعاً، وكما يطالب الرجل بالتحرر من النموذج الثقافي القديم الجمعي، عليه كذلك أن ينزع من رأسه صورة الجلباب الذي يغطي به المراة من رأسها حتى أخمص قدميها، عقل ما زالت تتنازعه صور تقليدية بينما صاحبه يدعي انه يعيش زمن الحداثة وانه مساهم فعال في التغيير الحاصل في ساحات الوطن العربي الكبير، فأي تناقض هذا الذي نعيش تفاصيله اليوم؟ ألم يحن الوقت بعد الى أن يعترف الرجل لنصفه الآخر بالشراكة الكاملة في النموذج الثقافي الجديد، بقيمه وأنساقه الجديدة. عدا عن ذلك، لن يكتمل مشهد بناء الدولة المدنية الحديثة. وستبقى الصورة ناقصة .
ناشطة حقوقية من الاردن