الأقلية اليزيدية تنتقم من سنة العراق: قتل وخطف
انقلب بعض أعضاء الاقلية اليزيدية في العراق على جيرانهم العرب ونفذوا عمليات انتقامية دموية ضد سكان قرى سنية يعتقدون أنهم كان لهم دور في الفظائع التي ارتكبها مقاتلو تنظيم الدولة الاسلامية بحق طائفتهم.
ويكشف اليزيديون العائدون إلى المنطقة التي كانوا يعيشون فيها في الشمال عن مقبرة جماعية تلو الاخرى تمثل أدلة على ما حدث خلال حكم الدولة الاسلامية منذ أغسطس آب الماضي حتى تم طرد مقاتلي التنظيم في أواخر العام الماضي.
والان بدأ البعض يثأر لهذه العمليات. وقال أكثر من عشرة سكان من السنة لرويترز إن جماعات مسلحة من اليزيديين شنوا أربع غارات على قراهم في سنجار قبل أسبوعين وقتلوا 21 شخصا على الأقل. واختفى 17 شخصا آخرين وأصبحوا في عداد المفقودين.
وقال ظافر علي حسين البالغ من العمر 41 عاما وهو من سكان قرية سيباية إحدى القرى التي تعرضت للهجمات “كان عملا انتقاميا من جانب اليزيديين.” وأضاف “الهدف هو طرد العرب من المنطقة حتى لا يبقى سوى اليزيديين. فهم يريدون تغيير الخريطة.”
وعانى اليزيديون بشدة بعد الهجوم السريع للدولة الاسلامية في العراق العام الماضي. وقتل مئات بأيدي المتشددين السنة الذين يعتبرون اليزيديين من عبدة الشيطان ووقع الاف في الأسر واستبيحت النساء.
والذين أمكنهم لاذوا بالفرار في حرارة الصيف في نزوح جماعي وهو ما ساعد في الاسراع بحملة ضربات جوية تقودها الولايات المتحدة ضد الجماعة الجهادية في كل من العراق وسوريا.
لكن العمليات الانتقامية كشفت كيف خلقت هجمات الدولة الاسلامية انقسامات بين الطوائف الدينية التي تعايشت معا على مدى عشرات السنين وقلبت قرية على الاخرى وصنعت أعداء من الأصدقاء السابقين. كما أنها تبين مخاطر العنف عندما تتمكن جماعات أخرى أجبرتها الدولة الاسلامية على النزوح مثل التركمان والشاباك الشيعة والمسيحيين من العودة إلى أوطانهم.
وفي الاسبوع الماضي تم اكتشاف رفات أكثر من 40 يزيديا في حفرتين مخضبتين بالدماء في شمال غرب العراق.
ويقيم سكان قرية سيباية الان في قرية اخرى على بعد نحو 45 كيلومترا ويقولون انهم ساعدوا اليزيديين على الهرب في أغسطس آب وخبأوا حاجياتهم لحمايتها رغم أن الجهاديين عاقبوا الذين اكتشفوا أنهم يفعلون ذلك.
لكن اليزيديين من مجمع كوهبل القريب يقولون إن العرب في القرى المحيطة انحازوا إلى تنظيم الدولة الاسلامية ونهبوا متلكاتهم وشاركوا مشاركة نشطة فيما وصفوه بأنه محاولة إبادة جماعية.
وأقر سكان سنة بأن عددا من الرجال من سيباية انضموا إلى المتشددين لكنهم قالوا إنهم إما قتلوا أو فروا إلى سوريا عندما طردت قوات البشمركة الكردية مقاتلي الدولة الاسلامية من المنطقة في ديسمبر كانون الاول.
وبعد استعادة السيطرة صادرت قوات البشمركة أسلحة من سكان قرى عربية بدأوا يتلقون تهديدات من اليزيديين بلغت ذروتها في الهجوم على سيباية وشيري يوم 25 يناير كانون الثاني.
وفي اليوم التالي نهب مسلحون يزيديون قريتي خازوكة وصاير العربيتين القريبتين اللتين كان سكانهما قد فروا بالفعل وأشعلوا فيهما النار.
“يوم الحساب”
وكان معظم سكان سيباية البالغ عددهم 1000 نسمة نياما عندما دوت طلقات الرصاص في اشارة على وصول قافلة عسكرية ترفع العلم الكردي. في البداية اعتقدوا أن قوات البشمركة أو الشرطة السرية الكردية التي تعرف باسم الأسايش وكلاهما يجند يزيديين محليين تقوم بعملية تفتيش روتينية.
وجاء اثنان من اليزيديين أحدهما يرتدي الزي العسكري إلى منزل نواف أحمد البالغ 31 عاما وأمره بتسليم مفاتيح سيارته وبطاقة هويته.
وسأله الشخص الذي يرتدي الزي العسكري وهو يشير إلى مولد كهرباء “من صاحبه؟” ورد أحمد قائلا أن صديقا يزيديا عهد إليه به. وقال الشخص الاخر وهو يضع المولد في سيارة أحمد ويقودها بعيدا “أنتم جميعا الدولة الاسلامية”.
وبدأت سيارات مدنية تتوافد من اتجاه مجمع كوهبل ونهب رجال قال سكان القرى العربية إنهم يزيديون من المنطقة ما استطاعوا من الاجهزة المنزلية والسيارات والماشية.
وقالت نساء ان المهاجمين الذين كان بعضهم يرتدي الزي العسكري والبعض الآخر الملابس المدنية أخذوا عنوة الخواتم من أصابعهن وسرقوا الاشياء الثمينة من جيوبهن. وفر كثيرون اختبأ بعضهم في واد قريب. وقال من بقوا إنهم شاهدوا الرجال ينتشرون في سيباية ويسكبون البنزين قبل أن يشعلوا النار في القرية وأحرقوا عدة مسنين في منازلهم.
وكان خضر أحمد وهو راع عمره 35 عاما يعاني من اعاقة عقلية يرعى قطيعه على مشارف سيباية عندما أسرعت سيارة نحوه. وراقب شقيقه الاكبر إدريس من على بعد رجلا خرج من سيارة وأطلق الرصاص على خضر وهرب بأغنامه.
واصطحب ادريس شقيقه خضر في وقت لاحق الى المستشفى في مدينة دهوك الكردية حيث يرقد مصابا بجرح في جانبه الايمن منذ الاسبوع الماضي.
وفي نفس الجناح بالمستشفى يرقد ستة آخرون من سكان القرية أصيبوا في الهجوم بينهم رداد البالغ 11 عاما الذي ضرب بالرصاص مرتين. وقال والده “كأن يوم الحساب جاء”.
وبينما كانت سيباية تحترق انتقل مسلحون إلى شيري التي تبعد كيلومترين إلى الجنوب حيث راقب عبد الله محمد (60 عاما) الدخان المتصاعد من القرية المجاورة. ووجه أحد المتشددين ماسورة بندقية آلية نحو صدر محمد وأمره بالخروج. وقال محمد وهو يتذكر إنه سأله “أين أذهب ؟” ورد عليه قائلا “إلى جهنم”. وقال محمد “نحن الدولة اليزيدية” مضيفا انه نجا لان أحد المهاجمين كان يعرفه شخصيا وسمح له بالفرار.
وكان جمعة مرعي أقل حظا فقد قتل بالرصاص أمام زوجته. وقالت “شاهدت ما حدث بعيني.”
وعندما حل الليل وانسحب المسلحون عاد سكان من القريتين لانتشال قتلاهم في حماية البشمركة.
وقال سكان لرويترز انه من بين 10 جثث تم انتشالها من سيباية ثلاث منها لنساء مسنات. وكانت أربع جثث محترقة أحداها لأحد المسنين المقعدين. وعثر على 11 جثة في قرية شيري.
ما بعد الكارثة
اتهم القرويون الذين تحدثت اليهم رويترز المقاتل اليزيدي قاسم شيشو بالتورط في الهجمات. وشيشو القريب من الحزب الديمقراطي الكردستاني أكد انه كان في سيباية وشيري لكنه نفى ان رجاله هم المسؤولون عما حدث.
وقال لرويترز بالهاتف “تقاليدنا لا تسمح بهذا النوع من السلوك” وحمل “متطرفين” يخدمون أجندة أجنبية المسؤولية وذلك في اشارة إلى حزب العمال الكردستاني المنافس وكذلك الفصيل المنبثق عنه في سوريا الذين يقاتلون في سنجار وشكلوا ميليشيا يزيدية هناك. ويقول حزب العمال الكردستاني إنه ليس له علاقة بما حدث.
وحمل المدنيون اليزيديون السلاح أثناء الحصار الذي فرضه مقاتلو الدولة الاسلامية واستمر عدة شهور لجبل سنجار في العام الماضي. ولقوات البشمركة الكردية وميليشيا الاسايش وجود في المنطقة.
ويتفق العرب واليزيديون أن سنجار لن تكون أبدا كما كانت قبل مجيء الدولة الاسلامية عندما كانوا أصدقاء يزرعون الارض معا. ولم يعد كثير من اليزيديين يثقون في البشمركة للدفاع عنهم بينما العرب الذين نزحوا حديثا وجميعهم من عشيرة الجحيش قالوا انهم سيعودون الى قراهم فقط إذا فصلت قوات كردية فعليا بينهم.
وقال رجل يزيدي عمره 60 عاما من كوهبل كان يجلس داخل خيمة في معسكر بإقليم كردستان “لم يعد ممكنا بالنسبة لنا أن نعيش معا بعد الان.” وأضاف “لا يمكن الثقة في العرب وخاصة الجحيش: الجحيش أعداؤنا.”
وقال ان القرى العربية تستحق أن تهاجم “لقد دمروا منازلنا ولذلك نريد أن تدمر منازلهم أيضا.”