داعش يتمدد في شمال أفريقيا
رويترز – باتريك ماركي ومايكل جورجي
بدت الصور مطابقة لأبشع فظائع تنظيم الدولة الإسلامية.. مقاتلون يتشحون بالسواد وجهادي يتحدث الانجليزية يخاطب الغرب بلغة تمزج بين السخرية والاحتقار قبل أن يقوم الرجال بنحر ضحاياهم الذين ارتدوا ملابس برتقالية على الساحل الليبي.
ولى زعيم المقاتلين الملثم وجهه شطر البحر المتوسط ولوح بسكين ملطخ بالدم نحو أوروبا وهو يتوعد “سنفتح روما إن شاء الله”.
كان إعدام 21 قبطيا مصريا على ايدي متشددين في ليبيا بايعوا تنظيم الدولة الإسلامية إعلانا بأن التنظيم تمدد من سوريا والعراق إلى ليبيا. وانتهز المتشددون حالة الفوضى لإيجاد موطئ قدم لهم في شمال افريقيا على مبعدة رحلة بالقارب من سواحل إيطاليا.
جاء الرد الدولي سريعا. قصفت طائرات مصرية مواقع يشتبه بأنها تابعة للمتشددين في ليبيا وانضمت باريس إلى القاهرة في المطالبة بتحرك الأمم المتحدة لوقف تمدد المتشددين.
ويبدو أن ليبيا هي الخطوة الأكثر نجاحا لتنظيم الدولة الاسلامية خارج معقله في الشرق الأوسط حيث يجذب المزيد من الأتباع ويزيد مخاوف الغرب من وجود قاعدة جديدة للمقاتلين الجهاديين في شمال افريقيا.
وعلى الرغم من ازدهارهم وسط حالة الفوضى في ليبيا إلا أن المتعاطفين مع تنظيم الدولة الاسلامية لابد أن ينخرطوا في الصراع والاقتتال بين الفصائل الأمر الذي يجعل من تأمين المكاسب الميدانية على غرار ما حققه التنظيم في العراق وسوريا أمرا أكثر تعقيدا.
وقال الكاتب حسن حسن الذي شارك في تأليف كتاب الدولة الاسلامية “البيان (الذي تلاه الملثم) في ليبيا بيان مفعم بالتحدي… من خلال قتل مدنيين مسيحيين يرسل المتشددون رسالة مفادها إنهم يتوسعون.”
لم يكن صعود تنظيم الدولة الاسلامية مفاجئا. إذ تشهد ليبيا اقتتالا بين فصائل متناحرة مما دفع البلاد إلى حالة من انعدام القانون تقريبا بعد أربع سنوات من سقوط معمر القذافي.
وتتنافس حكومتان من أجل السيطرة والنفوذ تدعم كل منها فصائل مسلحة. وغادر الدبلوماسيون هذا البلد وتعرض مطار طرابلس للدمار في حين يتعثر تدفق النفط مع تبادل القصف بين المتحاربين بالصواريخ والغارات الجوية.
ويستخدم المتعاطفون مع الدولة الاسلامية وسائل التواصل الاجتماعي لإظهار قوتهم واستعراض رجالهم المسلحين والمطالبة بتطبيق الشريعة في مدينة درنة بشرق البلاد التي تعد معقلا للتشدد الاسلامي.
لكن هذا العام صعد متشددو الدولة الاسلامية في ليبيا عملياتهم. فأعلنوا الشهر الماضي المسؤولية عن هجوم على فندق كورنثيا في طرابلس أدى الى مقتل تسعة اشخاص.
وهاجم مسلحو التنظيم أيضا حقل نفط المبروك في ليبيا حيث تمتلك شركة توتال الفرنسية حصة وقطع المهاجمون رؤوس بعض الضحايا.
وقال مصدر بالحكومة الأمريكية إن مسؤولين أمريكيين لا يعرفون حتى الآن عدد الهجمات التي نفذها أتباع الدولة الاسلامية المرتبطة بصورة مباشرة بالتنظيم المركزي أو تلك التي لا تعدو عن كونها مجرد مزاعم.
لكن محللين يقولون ان قتل المصريين ونشر فيديو ذبحهم عبر موقع رسمي تابع لتنظيم الدولة الاسلامية ونقل مقتبسات من مجلة التنظيم بشان الرهائن وعمليات الاعدام تظهر وجود علاقة بقيادة التنظيم.
*مراكز تدريب
في ديسمبر كانون الأول قال الجنرال ديفيد رودريجيز قائد القيادة الأمريكية في افريقيا إن بضع مئات من المتشددين يوجدون في مراكز تدريب في شرق ليبيا ترسل على الأرجح مقاتلين إلى سوريا.
الآن يقتل الأجانب وهم يقاتلون في صفوف جماعات إسلامية في ليبيا. وحملت صحف تونسية إشارات عن مقتل جهاديين لقوا حتفهم ليس فقط في سوريا والعراق لكن أيضا في مدن ليبية مثل بنغازي.
وبالنسبة لمصر فإن صعود الدولة الاسلامية وتمددها على حدودها الغربية أمر مزعج. ويرى مسؤولون مصريون أن هناك علاقات بين الاسلاميين في ليبيا والمتشددين في سيناء.
وقال مصدر أمني مصري رفيع لرويترز “لديك دولة تسودها الفوضى ينشط فيها على حدودك (تنظيم) الدولة الاسلامية وجماعات متشددة أخرى.. هدفنا ليس احتواء الارهابيين بالغارات الجوية.. هدفنا هو القضاء على الارهاب في ليبيا.”
وتوجد في ليبيا أيضا جماعة أنصار الشريعة -التي تحملها واشنطن مسؤولية الهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي مما أدى الى مقتل السفير الأمريكي- فضلا عن جماعات متصلة بتنظيم القاعدة وفصائل إسلامية أصغر حجما تعمل بدوافع محلية أكثر من كونها عالمية.
هذا الوضع سيحد من قدرة تنظيم الدولة الاسلامية على التماسك في ليبيا.
وقال جيف بورتر المتخصص في شؤون شمال افريقيا والأستاذ المساعد بمركز مكافحة الارهاب في ويست بوينت “سينتهي به المطاف إلى ضربات متفرقة مثل الهجوم على (فندق) كورنثيا… هذا الأمر مختلف عن السيطرة على أراض وجمع ضرائب وتوفير خدمات الدولة.”
* قاعدة إسلامية جديدة
لكن في درنة وهي مدينة محافظة كانت يوما مسرحا لمقاومة الاسلاميين المتشددين للقذافي يقول سكان إن أنصار تنظيم الدولة الاسلامية يمارسون نفوذا أكبر ويشنون حملة على التدخين في الأماكن العامة والمقاهي التي تقدم النرجيلة لروادها.
ويظهر تنظيم الدولة الاسلامية مهارة في الدعاية التي غالبا ما تبالغ في الانتصارات ومن الصعب التحقق مما ينشر على حسابات وسائل التواصل الاجتماعي. لكن في واحدة من هذه الصور استعرض متشددو الدولة الاسلامية قوتهم في طابور طويل من عربات الجيب ماركة تويوتا قرب سرت. وتظهر صورة أخرى في درنة أنصار الدولة الاسلامية وهم يقودون عربات دفع رباعي بيضاء وقد كتب عليها عبارة “الشرطة الاسلامية” باللون الأسود.
ويخشى السكان والنشطاء في درنة من الحديث عن المتشددين الذين نفذوا عمليات اغتيال هناك. ويقولون إن يمنيا يعتقد أن اسمه ابو البراء الأزدي وصل إلى درنة أواخر العام الماضي ممثلا للدولة الاسلامية.
ويحشد تنظيم الدولة الاسلامية الدعم المحلي في درنة من خلال جماعة ليبية تسمى مجلس شورى الشباب المسلم. وحتى هناك في قاعدته الرئيسية في ليبيا يقول محللون وسكان إنه لا يسيطر تماما على الوضع ويواجه مقاومة من جماعات إسلامية منافسة.
ويقول توماس جوسيلين الذي يتابع أخبار الحركات الجهادية لحساب صحيفة لونج وور جورنال إن التنظيم- مع ذلك- قد ينتزع مؤيدين من حركات أخرى وخاصة بين المقاتلين الشبان الذين تجذبهم رسالته القوية وشهرته العالمية.
وقال سكان عديدون ان تنظيم الدولة الاسلامية احتجز الرهائن الأقباط المصريين في درنة لكنهم شاهدوهم وهم ينقلون الى خارج المدينة قبل اسبوعين. وكان معهم طاقم مصورين.
وقال سكان بعد نشر الفيديو ان أعضاء تنظيم الدولة الاسلامية شددوا إجراءات الأمن واختبأ بعض قادته.
وقالت هارلين جامبير من معهد دراسات الحرب “هناك جماعة ناشئة من المقاتلين المتمرسين الذين قاتلوا مع الدولة الاسلامية في العراق والشام … (داعش) تفرض سيطرتها على درنة. ولديها الآن مجال عمليات للتخطيط لشن هجمات أكبر.”
(اعداد أحمد حسن للنشرة العربية- تحرير سيف الدين