سلسلة انشقاقات في أفق المعارضات السورية
باريس – بسّام الطيارة (خاص)
ماذا يحدث داخل «هيئة التنسيق الوطنية السورية» رأس حربة محور المعارضة الداخلية السورية؟ أخبار الخلافات الداخلية بدأت تطفو على واجهة خلف الكواليس ومن المنتظر أن تقفز إلى واجهة الإعلام في الأيام القليلة المقبلة.
إن إطلاق هيثم مناع تيار (حركة؟) جديد تحت تسمية «قمح» (قيم مواطنة حقوق) قد لا تكون القشة التي قصمت ظهر بعير المعارضة الداخلية ولكنها القشة التي دلت على مؤشر التباينات داخل الحركة. فالحراك الجديد نابع من «نائب المنسق العام» المعروف بـ«برودة أعصابه» حسب قول مقرب منه، ما يدل إن لزم الأمر على أن «الخلافات باتت على عتبة مسار الانشقاق».
في الواقع يخترق هيئة التنسيق خط تزداد غلاظته يوماً بعد يوم ويفصل بين تيار أنقرة وتيار القاهرة. حتى زمن ليس ببعيد كان يمكن الوقوف على ضفتي خط الانشقاق أي التماهي مع خط «القاهرة في الظل السيسي» أي شاطئ ما بعد حكم الإخوان، ومن ثم العودة إلى الضفة المقابلة أي شاطئ تركيا حيث ينتظر الائتلاف وحلفاءه. ولكن بعد التغيرات التي طرأت على المسار السياسي في مصر وانعكاساتها على مجمل السياسة المصرية في المنطقة بات المزج بين الضفتين صعباً. فالقاهرة باتت تريد «تشذيب الائتلاف لنزع الصبغة الإسلامية عنه» أي بشكل أوضح إبعاد الإخوان المسلمين عن مفاصل القيادة. وبالمقابل يدرك القاصي الداني أن تركيا تدعم الائتلاف بكامل مكوناته «وخصوصاً» الإخوان. أي أن الائتلاف واقع بين مطرقة القاهرة وسندان أنقرة، وتنعكس ضربات المطرقة وارتجاج السندان على تركيبة هيئة التنسيق، خصوصاً وأن هناك استراتيجية تقارب مع الائتلاف باتت متعثرة في ظل النزاع التركي المصري.
هذا التقارب بدأه تيار يقوده بعض أركان التنسيق بلقاء «باريسي» جمع أحمد العسراوي وخلف الداهود وصفوان عكاش وزكي الهويدي من هيئة التنسيق وكل من أحمد رمضان وهشام مروة وعبد الاحد اصطيفو وهادي البحرة من الائتلاف. وقد تك كل ذلك برعاية فرنسية قادها فرانك جيليه العراب الجديد للملف السوري في الكي دورسيه. هنا وجب تحليل الدور والموقف الفرنسي لأنه يشكل «أكبر علامة استفهام» حسب قول أحد المراقبين الأوروبيين المقربين من ملف سوريا. باريس تدعم تيار قطر وتركيا الداعم للائتلاف ولكن قبل شيء المطالب برحيل الأسد. باريس بعد التقلبات التي أحدثتها الأعمال الإرهابية في مطلع السنة تريد «إبعاد اللون الإسلامي عن المعارضة السورية» وبالتالي تريد «تقارب مع هيئة التنسيق لتذويب التيار الإسلامي» لعدم إمكانية تجاوزه في إطار المعارضة السورية، ،من هنا رعايتها للقاء السوري الباريسي. ولكن (لأنه يوجد ولكن في الأمر) ولكن باريس تريد دعم حلفها الجديد-القديم مع القاهرة، وبالتالي فهي ترى أن دفع هيئة التنسيق للتقارب مع لائتلاف يصب في مسار «تلوين المعارضة السورية ديموقراطياً». وفي الواقع لا تعارض أنقرة هذا التوجه فهي ترى في ذلك إمكانية لتوسيع رقعة المعارضة السياسية لنظام الأسد. إلا أن لكل عاصمة هدفاً وراء هذا التقارب: القاهرة تريد إبعاد الإخوان بينما أنقرة تريد تذويب الهيئة ضمن الائتلاف من جهة وسحب السجادة من تحت أقدام اجتماع القاهرة الذي سبق لقاء موسكو. ولكن القاهرة أيضاً لا ترى ضينً من ذلك فهي اعتبرت أن لقاء القاهرة هو نقطة لصالحها.
أنقرة تريد المحافظة على إطار الائتلاف الذي تدعمه وتعترف به ما يزيد عن ١٠٠ دولة ولكنها أيضاً تسعى للانفتاح على المعارضة الداخلية التي تمثلبها هيئة التنسيق. ولكن النزاع بين مصر وتركيا يسلط الضوء على دعم أنقرة للإخوان المسلمين ومحاربة مصر لهم.
اجتماع باريس بين أفراد من الهيئة وأفراد من الائتلاف فجر الخلافات داخل هيئة التنسيق وانعكست قراءة أنقرة والقاهرة للقاء باريس تبايناً داخلها. سجلت أنقرة نقطة بسبب البلبلة التي تسبب بها الاجتماع، . مصر اعتبرت أن هذا اللقاء مع الائتلاف هو طعنة لما تم الاتفاق عليه على ضفاف النيل، بينما رأت تركيا في ذلك خطوة أولى نحو شق هيئة التنسيق لجذب جزء من مكوناتها داخل الائتلاف. ولكن هذا اللقاء «البسيط بين الأصدقاء» المشار إليه اليوم بلقاء باريس كان محور اهتمام معظم القوى الدولة المتابعة للملف السوري: الأميركيون دخلوا على الخط حاملين اسم بسمة قضمان لضمها إلى «اللقاء التحضيري» إلى جانب بث روح التواصل بينهم وبين هيئة التنسيق.
وقد رأى قسم من أركان هيئة التنسيق أنه يمكن البناء عليه لتوحيد المعارضة السورية بين الداخل والخارج رغم التباين الكبير بين طروحات الائتلاف المرتكزة على «إزاحة نظام الأسد»، وبين هيئة التنسيق التي وضعت في القاهرة مبدأ «حوار النظام» وطبقته في لقاء موسكو الذي قاطعه الائتلاف.
إلا أن قسماً كبيراً من المعارضة الداخلية رأى فيه محاولة لاستيعاب الهيئة وبالتالي يدفع نحو «الحسم باتجاه التصلب الذي يحمله بيان جنيف ١» بعكس طروحات «سالفان دي ميستورا ولقاء موسكو».
من هنا ينتظر أن تقود حركة «قمح» التي أطلقها مناع بداية انشقاق في الهيئة قد يعلن عنه بعد لقاء القاهرة الثاني أي في ٢٤ نيسان/ابريل ويكون الائتلاف المستفيد الأول من جراء هذا الانشقاق.
ويقول أحد «المعارضين الذين ابتعدوا عن المعارضة» إن هيئة التنسيق حاولت وتحاول أن ترمي بالنقاط العشر التي طورتها في القاهرة كأساس لأي اتفاق مع الائتلاف وبالطبع هذه النقاط التي تدور حول محور «التواصل مع النظام» مرفوضة من الائتلاف. ولكن الانشقاق لن يطال فقط الهيئة. فقد أسر المعارض إلى أن عدداً من أركان الائتلاف قد ينشقون أيضا للانضمام إلى ما بات يسمى تيار «النقاط العشر» الذي يستعد للانشقاق عن هيئة التنسيق والذي يقوده مناع ومعه البعث الديمقراطي وحزب الاتحاد الديمقراطي، والحزب الديمقراطي الكردي وعدداً من المستقلين، ومن غير المعروف موقف حزب الاتحاد الاشتراكي وحزب العمل الشيوعي. أما المنشقين عن الائتلاف والذين يستعدون للاالتحاق بتيار «قمح» يتحدث البعض عن احمد الجربا وفايز سارة وبعض المقربين من السعودية مثل ميشال كيلو.إذا الصورة التي ستكون عليها المعارضة بعد فترة قصيرة تكتلين يشكل المنشقون عن هيئة التنسقين والائتلاف أحدها بينما يالكتلة الثانية مؤلفة من بقية الائتلاف السوري المعارض ومن يتحاور معه مما تبقى من هيئة التنسيق.