- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

١٤ و٨ في سوريا أيضاً

نقطة على السطر

بسّام الطيارة

في سوريا ثورة تختلف كثيراً عن «الثورات التصحيحية أو الانقلابية» التي سادت منذ الاستقلال، والتي كان يكفي أن تضمن ولاء فرقة مدرعات تستولي على الإذاعة لوضع اليد على مقاليد البلد بعد وضع الحكام السابقين في سجن المزة أو في الإقامة الجبرية أو ترحيلهم إلى «الهورس شو» في بيروت.
اليوم في سوريا ثورة شعبية قد تتحول إلى حرب أهلية، في ظل انقسام عميق بين مؤيدي النظام وكارهيه. وينعكس هذا الانقسام شرخين: الأول «عامودي» يطال كافة الشرائح ويفصل بين أكثرية تنزل الساحات والشوارع وتتظاهر منددة بالنظام، وبين أقلية (بدأت) تنزل الشوارع لحجب صورة المعارضين. أما الثاني، وهو الأخطر لأنه «عرضي»، فيفصل بين مكونات الشعب السوري ويعلبها في تصنيفات طائفية ومذهبية تصطف كما هو حاصل في المنطقة منذ قيام الثورة الإيرانية تحت عنوانين: سني وشيعي، يضيع بينهما المكون المسيحي ومكونات الأقليات.
إن تقاطع خطي الشرخين العامودي والعرضي يرسم وضعاً شبيهاً جداً بالوضع الذي كان قائماً في لبنان حتى مؤتمر الدوحة، والذي ما زالت آثاره بادية بين ندوب الوجه السياسي في لبنان.
بالطبع ليس القرب الجغرافي هو ما يولد هذا التشابه في وضعية الحالة الخطرة. كما أن أصول النزاعين مختلفان، فلبنان لم يعرف ٤٠ سنة من حكم متواصل وإن هو يعرف إقطاعية عمرها قرن وبضع عقود. في سوريا خلال سنين طويلة غابت حرية الرأي والتعبير وقامت رقابة بلهاء، بينما عرف لبنان حرية رأي وتعبير رغم إمساك يد المال برقبة الوسائل الإعلامية. في لبنان وسوريا حدود مشتركة مع العدو الاسرائيلي وفلسطين التاريخية، في لبنان قامت مقاومة وانتصرت بدعم نظام سوري يمنع مقاومته من التحرك قيد انملة رغم عنترة قواته العسكرية.
ينبع التشابه في الوضعين اللبناني والسوري من تماثل التركيبة السكانية، ومن تطابق الاهتمام الغربي بالدور الاستراتيجي للبلدين تجاه الصراعات في المنطقة، وفي مقدمتها الصراع مع إسرائيل. ويقود هذا إلى تشابه ردات فعل العناصر المكونة للثورة السورية حالياً لتتماثل بما كانت عليه ردات فعل ١٤ و ٨ آذار في لبنان.
يصرخ عالياً مؤيدو النظام منددين بالمؤامرة، عندما يشيرون إلى دعم الغرب للثوار. ويندد الثوار بقوة السلاح الذي يسمح بالبطش والقمع ويطالبون بمزيد من التدخل الغربي. يشير داعمو بشار الأسد إلى السلفيين السُنة المختبئين وراء الثوار، بينما يشدد المتظاهرون على خيط الدعم الذي يجمع بين النظام والقوى الشيعية في المنطقة.
في الواقع إن هذا التشابه هو «سراب» وليس واقعاً تُسقط عليه الحسابات.
في لبنان وُجد، رغم الحروب، بعض المسلمات التي جمعت بين الأطراف المتحاربة طوراً والمتحالفة طوراً آخر، وهي الحرية وتداول السلطة وحرية العمل السياسي والنقد والانتقاد، وهذا كان من عوامل انتصار المقاومة ونوعاً ما حفظ رأس «٨ اللبناني». في غياب هذه العوامل، وفي مقدمتها الحريات، لن يربح مؤيدو النظام السوري والخسارة سوف تكون إلى جانب «٨ السوري».
ولكن لا يعني هذا أن «١٤ السوري» ضامن الانتصار بسهولة. ذلك أنه يرتكب نفس أخطاء «١٤ اللبناني»: انقسام بين مكوناته، اعتماد على الخارج بشكل ينفر شرائح من المواطنين، استفزاز شرائح أخرى بالوقوع في فخ «الاستهداف المذهبي»، تجاهل الترابط التاريخي مع دول الجوار والغوص في الانعزالية، تعامل فوقي مع الجامعة العربية، مقاربة سطحية للصراع العربي الاسرائيل وإذابته في شعارات فضفاضة، مع مديح وإطراء للدور الأميركي في نشر الحريات والديموقراطية سربته الصحافة العالمية وأثار دهشة واستنكار المتابعين.
وأخيراً على «١٤ السوري» أن ينفتح على «٨ و ١٤» في لبنان، لا أن يسقط التنازع اللبناني على وضعه الداخلي وإلا فهو واقع لا محالة في وعاء سياسة جورج بوش المأثورة «أن تكون معي أو تكون ضدي» والكل يعرف النفور الذي تؤسس له هذه السياسة، أضف إلى أن قسماً كبيراً من «٨ اللبناني» يؤيد الثورة السورية، فقط «وضع نظارات الاصطفاف الإعلامي وإسقاطه الثورة السورية على الواقع اللبناني تمنع «١٤ السوري» من رؤية هذا التأييد الطبيعي.