خفايا الاتفاق النووي الإيراني الأميركي
يتحفظ محمد غوشاني، ناشر صحيفة مردم امروز، الطهرانية والمعلقة بعد نشرها صورة الممثل الأميركي جورج كلوني وهو يعلن تضامنـــه مع المـــجلة الفرنســــية الساخرة تشارلي إيبدو، عن جهر رأيه في أوضاع إيران الداخلية. فتعليق صحيفته اليوم، بعد أن أودع السجن في 2001 و2009، يعود إلى صراع محافظي النظام ومتشدديه مع «الوسطي» والمعتدل حسن روحاني، بينما تشهد المفـــاوضات الإيرانية والدولية (الأميركية) على المسألة النــــووية اختباراً مصيرياً. وتجرأ رئيس الجمهورية على تحذير المــــرشد علي خامنئي، في خطبة ألقاها قبل بضعة أسابيع وعالج فيها الأزمة الاقتــصادية الحادة التي تضرب البلاد، من اللجوء إلى استــــفتاء الإيـــرانيين في القضية النووية، فقال تلميحاً:» إذا كان الموضوع جوهرياً، وتصيبنا آثاره جميعاً، فعلينا أن نطلب من الشعب إبداء رأيه في هذا الموضوع، ولو لمرة واحدة».
وأردف روحاني شارحاً، فلا يخفى على أحد أنه يقصد الملف النووي:» مُثلنا العليا وقيمنا لا تختصر في أجهزة الطرد والتخصيب». وهو يشير إلى الخلاف في المفاوضات على عدد الأجهزة ومستوى التخصيب. ويلاحظ الباحث الاقتصادي، سعيد ليلاز، أن تلميحاً من هذا القبيل، كان من شأنه قبل أعوام قليلة أن يجر الرئيس أمام القضاء. وروحاني، المنتخب في استفتاء شعبي عام ودوري، على خلاف علي خامنئي المرشد الذي انتخبه مجلس خبراء ثوري، ليس في حيرة من أمره. والمسألة النووية التي انتخب بناء على وعده بالتصدي لها وحلها، لقاء رفع العقوبات على برنامجها النووي الغامض وتخليها عن طموحها العسكري، هي مفتاح الحل. وبعد انقضاء سنة ونصف السنة على انتخابه، المسألة عالقة، وخزينة الدولة خاوية، وبرميل النفط، ضرع عوائدها، تردى سعره 50 دولاراً.
ولا يتستر مؤيدوه، شأن علي أكبر هاشمي رفسنجاني، أحد أركان النظام، على دعوة روحاني إلى فتح الباب الموصد بالقوة: «أريد منه أن يستعمل الاستفتاء، وألا يتردد، فالشطر الأكبر من الشعب يريد اتفاقاً على النووي»، تقول فائزة رفسنجاني، ابنة الرئيس السابق، بصوت عالٍ. وعشية دورة المفاوضات الحاسمة بفيينا في تشرين الثاني (نوفمبر) 2014، تفاقم الخلاف بين الحزبين الإيرانيين. فعطل علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد، الإجراءات المفضية إلى حلحلة، وتذرع بأن حاجة الأميركيين إلى اتفاق ليست أقل إلحاحاً من حاجة الإيرانيين إليه، فمن السابق للأوان إعلان التنازل عن بعض الشروط المعلنة. وهذا بعض ما يتداوله مقربون من أروقة السلطة بطهران، وأسروا به إلى مراسل «لوفيغارو». ومذ ذاك، لم يكفّ أعضاء مجلس الشورى، ومعظمهم من المحافظين، عن مضايقة الرئيس، فطرحوا على وزرائه 1500 سؤال «شوروي» أو رقابي. فهدد روحاني رأس المحافظين، أي المرشد، بتوقيعه وحده الاتفاق الذي قد تتمخض عنه المفاوضات، وإشهاد الشعب الايراني على واقع الحال.
وتعود الكلمة الفصل في المفاوضات إلى خامنئي ومستشاريه، ومعظمهم خرج من صفوف الحرس الثوري ومن كبار ضباطه. ويقول المرشد رسمياً أنه يساند المفاوضين. ولكنه لا يعول كثيراً على المفاوضات. ويقول مسؤول إيراني طلب إغفال اسمه: «خامنئي لا يريد اتفاقاً، والاتفاق يخدم مصلحة خصومه الإصلاحيين، والمقربون منه يسألونه لماذا لم يدعهم إلى توقيع اتفاق حين كانوا في سدة الحكم». ويضمر السؤال الاستنتاج أن ثمرات الاتفاق، إذا كان لا بد من اتفاق، ينبغي أن تعود إليهم. وفي انتظار معرفة ما إذا كانت إيران تريد الخروج من عزلتها، يتبادل المعسكران الداخليان المراقبة. فيوفد روحاني بين الوقت والوقت أخاه عباس فريدون إلى فيينا أو جنيف، حيث تنعقد حلقات المفاوضة. ويمثل المرشد أحد ضباط الحرس الثوري السابقين، عباس عراقجي، في طاقم المفاوضات. وهو يراقب الشاردة والواردة، ويستمع إلى تسجيلات الدورات والجلسات. وإذا تملص الوزير ظريف ربع ساعة من جدول الأعمال الرسمي والمراقبين، وتنزه هو والوزير جون كيري، استغاثت دعاية النظام من الشيطان الذي لا ريب ملأ الدقائق الـ15 هذه.
ويقول صادق خرازي، سفير إيران السابق في فرنسا وجليس وزير الخارجية والمرشد، أن ظريف يشتكي قسوة حملات الناس عليه. ففي إحدى خطب المرشد الأخيرة نبه، مادحاً، إلى مرونة المفاوض الإيراني، وقبوله إدخال تغيير على مفاعل آراك العامل بالماء البارد ونزوله عن تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المئة. ولكنه، على رغم مديحه الإجراءين، لا يزال يرفض الاتفاق الذي يقترحه باراك أوباما على مرحلتين: اتفاق سياسي قبل أواخر آذار (مارس) وآخر تقني وتفصيلي قبل 30 حزيران (يونيو)، تاريخ ختام المفاوضات ويقول صادق خرازي: قبل أيام قليلة، شرح المرشد أمامي لظريف أن اتفاقاً مرحلياً لا يحول على نحو قاطع دون تملص الأميركيين من الوفاء بالتزاماتهم، في شأن رفع العقوبات على الخصوص. و»العقبة الكبرى» هي هذه المسألة. وهي تتقدم عدد أجهزة الطرد. فالفريق الدولي المفاوض لا يرى مشكلة في تولي طهران تشغيل عدد من أجهزة الطرد (لا يتجاوز الألف، وفق الغربيين، ولا يقل عن 9 آلاف وفق ظريف، ويقرب من 19 ألفاً وفق المرشد).
ويحرص روحاني حين استئناف المفاوضات الأحد في 28 شباط (فبراير) بجنيف، على مقايضة طاقة التخصيب الإيرانية بعودة السيولة المجمدة في البلاد الأجنبية إلى طهران. ويرى تاجر ورجل أعمال يتردد إلى بعض مجالس المرشد أن عوائد إيران المجمدة في مصارف آسيا تبلغ 130 بليون دولار، وهي عقدة المشكلة التي يريد الغربيون أن يرعوا حلاً لها لا يتيح للمحافظين الإيرانيين استئناف برنامجهم النووي إذا رجعوا إلى السلطة. وفي المقابل، يشك علي خامنئي، وهو الذي شب على الكراهية لأميركا وشاب عليها، في قدرة أوباما على التزام وعوده وعرقلة مساعي الكونغرس الأميركي في سبيل فرض عقوبات جديدة قرب توقيع الاتفاق. وهو يعلم أن واشنطن تؤازر في الكواليس معسكر روحاني وتريد تعزيز مكانته. ومنذ تشرين الثاني (نوفمبر) تجيز إدارة أوباما عودة بليون دولار في الشهر من كوريا الجنوبية إلى طهران من طريق سلطنة عمان. ويقول التاجر ورجل الأعمال الإيراني إن حقائب، تحوي الواحدة منها 50 مليون دولار، يستلمها موظفو المصرف المركزي الإيراني بمطار طهران قبل بلوغها الجمرك وينقلونها إلى خزائن المصرف. وأجازت واشنطن لإيران زيادة مبيعاتها من النفط، كذلك.
فهل يقدم المرشد على إنقاذ نظامه الموشك على الانهيار، ويرضى شرب «العلقم»، شأن سلفه آية الله خميني يوم اضطر إلى قبول وقف النار مع عدوه العراقي صدام حسين ونزل عن كبريائه وعناده؟ والثابت، في الأحوال كلها، أن الاتفاق المزمع لن يؤدي إلا إلى سلم بارد بين الايرانيين، وبين الولايات المتحدة. فطهران لا تتمتع، شأن الولايات المتحدة، بمرأى أفق يتعدى المدى القريب إلى المدى المتوسط. ففي الأسابيع القريبة المقبلة، يرسخ الجمهوريون غلبتهم في الكونغرس. وفي شباط (فبراير) 2016، ينتخب الإيرانيون أعضاء مجلس الشورى ومجلس الخبراء (الذي ينتخب المرشد). ويرسم المجلسان ملامح النظام في الأعوام الخمسة التالية.
وإلى يومها لن تفتح سفارة أميركية بطهران، يقول علي شمخاني، مستشار خامنئي للسياسة الأمنية إلى «فايننشل تايمز». ويقول بعضهم، هنا في العاصمة الإيرانية، إن حسن روحاني يراوغ وليس في مستطاعه تجاوز الخطوط السياسية المرسومة والثابتة. وعلى هذا، فحظوظ الاتفاق مع الأميركيين غير متوافرة. ولكنّ آخرين يلاحظون أنه بذل وسعه في استرضاء قادة الحرس وهولدينغ «خاتم الأنبياء» الذي يجمع استثماراتهم. وأحجم، من جهة ثانية، عن التضييق على المؤسسات الوقفية الضخمة التي يتولى نظارتها كبار آيات الله. فهو يراعي بعض مراكز القوة في انتظار قراره خلع الباب عنوة، ربما. نقلا عن الحياة