القابلية للاستعمار صنعت «فرانكنشتاين-القاعدة-النصرة-داعش»
نقطة على السطر
بسّام الطيارة
يعرف الجميع قصة «فرانكنشتاين»: طبيب حول بني آدم إلى وحش رهيب حطم المختبر وارتد على «صانعه» وعملاءه لينال منهم بعد أن فلت عقاله.
يعرف الجميع قصة «القاعدة»: دولة عظمى حولت بعض السلفيين إلى وحش رهيب لمحاربة الشيوعية فحطم الوحش أفغانستان وارتد على «صانعه الأميركي» وعملاءه لينال منهم بعد أن قويت شوكته.
القصة الجديدة هي قصة «داعش-النصرة»: غرب ومصالح اقليمية حولت بقايا القاعدة إلى وحش برأسين لمحاربة النظام السوري، فحطم الوحش بذور الثورة السورية وارتد على الغرب وشركاءه.
نلاحظ أن تقاطع عمليات «التحويل» هذه امر كلها عبر اختبارات الغرب، وهي انقلبت على صانعها لأنها مخالفة للطبيعة و«فرانكنشتاين-القاعدة-النصرة-داعش» هو اليوم في كل مكان مثل المرض الخبيث ينتشر في جسم العالم العربي.
ماذا يفعل الغرب لمحاولة تصليح ما ارتكبته يداه؟ يرى في الإسلام الطامة الكبرى. النمسا تقرر طبع «قرآن جديد». سبق لكونداليزا رايس أن اقترحت «فعيل المقص» في مقاطع من القرآن. تماماً كما فعل الغرب منذ أن تبوأ صدارة النمو والتقدم على سفينة المسيحية.
للتذكير فقط: (نضع جانباً محاربة الغرب لليهودية واليهود ما ضاطر هؤلاء للهروب واللجوء عند… العرب في كنف الاسلام إلى أن خرج من مختبر الغرب فرانكيشتاين جديد زرع الفرقة في فلسطين).
في العصر الوسيط طلب رئيس دير كلوني الفرنسي «بطرس المُكَرّم» (1092 – 1156 م) من «روبير كيتون» (1110 – 1160) ترجمة القرآن إلى اللاتينية وهي أول ترجمة صدرت عام 1143 ولكنها حوت تحاملاً وقصصاً غريبة ونسبت الإسلام إلى «محاولة يهودية للتصدي للمسيحية». وظلت هذه الترجمة «تزرع» الجهل بالإسلام طوال عقود وعقود، وشكلت قاعدة الترجمات للغات الأخرى، وفي ذلك تفسير لتناسق الأفكار الغربية حول الإسلام : فالترجمة إلى الإيطالية(أندريا أريبابني 1547) اعتمدت للترجمة إلى اللغة الألمانية (صلمون شويغير 1616) التي كانت منطلقاً للترجمة إلى اللغة الهولندية (1641) وهلم جرا…. بعد ثلاثة قرون وفي عام عام 1647 حصلت أول ترجمة «جديدة» على يد المستشرق الفرنسي أندريه دي ريير (1660-1580). ولكن هذه الترجمة وإن ابتعد عن نسج القصص الخيالية عن الإسلام، فهي كانت تحاكي أجواء العصر أي التصدي للهجمة الإسلامية على تخوم أوروبا والسعي وراء غنائم هذا الشرق الغني.
في «عصر التنوير» أي في مطلع القرن الثامن عشر انكب على ترجمة علمية للفرنسي أنطوان غالان (1646 – 1715) الذي اشتهر بترجمته لكتاب «ألف ليلة وليلة» وبحكم تمكنه من اللغة العربية اعتمد غالان على كتب الفقه العربية وفي مقدمتها «تفسر الجلالين»… ،لكن هذه الترجمة لم ترى النور… فالعصر كان عصر الابتعاد عن «الدين والأديان» والتحضير للثورة الفرنسية. قبل سنوات قليلة من هذه الثورة (1789) نشر الفرنسي كلود اتيان سافاري (1750-1788)ترجمة جديدة لقرآن (1783) رأى من خلاله أن النبي محمد «ليس نبياً بقدر ما هو رجل خارق الذكاء واستثنائي». وكانت هذه النظرة ملائمة جداً للعصر الثوري الملحد يومها.
بعد أقل من 9 سنوات من غزو الفرنسيين للجزائر (1839) واستعمارها صدرت ترجمة للفرنسي بيبرشتاين كازيمرسكي (1780-1865) في عام 1841 وكانت تهدف إلى «دعم العملية الاستعمارية» يكفي قراءة المقدمة حين يكتب المترجم بأن «هذه الترجمة تسعى لتسليط الضوء على حيوية العدو المتشدد الذي نحاربه في الجزائر».
هذه الترجمات أسست لتفكير معادي للاسلام وللعرب وللأسف الشديد جاء الاستعمار ليلوي زراع التثقيف العربي بسبب ما وصفه ادوار سعيد بأنه «تحيز مستمر وماكر من دول المركز- أوروبا- تجاه الشعوب العربية الإسلامية».
وغاص العرب والمسلمين في وادي «القابلية للاستعمار» كما وصفه مالك بن نبي… وما زالوا. ويؤدي ذلك «يومياً» إلى تشكيل الفكر الشرقي على أسس الفكر الغربي.
نظرة الغرب للعرب والمسلمين لم تتغير: داعش يتبنى عملية ارهابية في متحف … في أكبر متحف في تونس. متحف غني بثروة عربية إسلامية، ولكن الغرب لا يرى في ذلك سوى «استهداف للسياحة في تونس» أي استهداف لمراكز ترفيه السواح الغربيين.
لقد اقتنع الجميع من زعماء تونس إلى زعماء العرب مروراً بعديد من المواطنين العرب التوانسة وغيرهم ما يتفوه به «الخبراء في تصنيع فرانكيشتاين»: داعش تستهدف السياحة.
القابلية للاستعمار تحولت إلى قابلية لتصديق أي شيء يصدر عن الغرب. ما يقوله «الخبراء في تصنيع فرانكيشتاين» بات «doxa» مفهوم منزل غير قابل للنقاش مفاده اليوم: هدف داعش السياحة في تونس والأصنام في العراق
يا أيها «الخبراء في تصنيع فرانكيشتاين»: داعش خرج من مختبراتكم فعودوا إلى التركيبة التي استعملت لخلق «فرانكيشتاين-القاعدة-النصر-داعش» تعرفون ما هو هدف الهجوم على كل معالم الحضارة العربية والإسلامية.