الأحكام المسبقة «العادية» لكاتب اسرائيلي
ابراهام يشوع، هومن دون شك كاتب إسرائيلي كبير. غير أنه رغم تأييده الحرب على لبنان عام ٢٠٠٦ وضرب غزة قبل ثلاث سنوات، فهو يعتبر نفسه من «مؤيدي السلام». علينا أن نحدد إلى أنه «سلام المدافن». لأن نمط تفكيره هو «استعماري محض» وهو لا يرى في «الآخر»،أي الفلسطيني، إلا أنه «مختلف جداً».
وقد نشرمقالة رأي في صحيفة «هآرتس» بتاريخ ٢ كانون الثاني/ يناير تحت عنوان «لا ترحيب بدولة ثنائية القومية»، رداًعلى«أبراهام بورغ» رئيس البرلمان الاسرائيلي السابق، الذي يعدّ من أشجع شخصيات الدولة العبرية. وكان هذا الأخير قد كتب تحت عنوان «الآن جاء دوركم» ( «هآرتس» بتاريخ ٢٣ كانون الأول/ديسمبر) بأنه في مستقبل قريب لن يوجد بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن إلا دولة واحدة وسوف يكون مستوى الممارسة الديموقراطية فيها منخفضاً كما هو الحال بإسرائيل اليوم.
فكتب يقول: «رغم أن عدداً منا يعتقد بإمكانية منع قيام مثل هذه الدولة عبر اتخاذ خطوات سياسية حازمة، إلا أنه وجب علينا الاستعداد نفسياً وفكرياً لمثل هذا الأمر، تماماً مثل الاستعدادات التي نقوم بها لمواجهة حالات طارئة. أهداف هذه الاستعدادات هو ضمان أن لا تقوض هذه الدولة ثنائية القومية هيكلية اسرائيل الديموقراطية وتمحو الهوية اليهودية الإسرائيلية التي تحققت في العقود الأخيرة».
وتابع « في حال نشوء دولة ثنائية القومية فإن ذلك لن يكون فقط نتيجة تصرفات إسرائيل، ولكنه نابع أيضاً من تعاون صامت من قبل الفلسطينيين، أكانوا في داخل إسرائيل أو خارج حدودها. حتى أن بعض رجالات حماس البراغماتيين يريدون جرّ إسرائيل إلى أولى مراحل هذا الاحتمال». وأضاف «بالنسبة للشعب الفلسطيني فإن دولة ثنائية القومية على كامل تراب اسرائيل الكبرى هو خيار أفضل من قطعة من فلسطين مهشمة ومقطعة يمكن انتزاعها من مخالب إسرائيل بعد جهد جهيد والكثير من الدماء».
ذلك أنه «بفضل قوة الاقتصاد الاسرائيلي وعلاقاتها الحميمة مع الغرب، فإن دولة ثنائية القومية، ولو كانت نصف ديموقراطية، هي بمثابة وعد للفلسطينيين بحياة أفضل وأكثر أمناً (وخصوصاً) بمساحة أرض أكبر بكثير مما يمكن أن يحصلوا عليه بعد عشرات السنين من نضال بهدف استرداد كل فلسطين».
ويشرح بأن «رؤية دولة دولة ثنائية القومية يمكنها أن تفسر تشدد منظمة التحرير الفلسطينية في كامب ديفيد وخلال المفاوضات بين السلطة الفلسطينية وحكومة أولمرت. ويمكن أن تكون قد أثرت على مواقف السلطة الفلسطينية في اللقاءات الأخيرة مع الحكومة الحالية، وهي مواقف تسعى لمنع الوصول إلى حل حقيقي».
أهو كذلك؟
تعلمنا البروباغندا الاسرائيلية أن إيهود بارك قدم خلال قمة كامب ديفيد عام ٢٠٠٠ عرضاً سخياً على ياسر عرفات، وأن الفلسطينيين قد رفضوا هذا العرض. إلا أن كافة المذكرات والكتب التي صدرت من مجمل المشاركين في القمة، بما فيهم الأميركيون، تقول عكس ذلك. وأن بارك لم يعرض إعادة حتى ٩٥ في المئة من الأراضي المحتلة. وأنه كان مصمماً حتى قبل القمة على تحميل عرفات مسؤولية فشل مرتقب. باراك هو الذي اخترع مقولة «لا يوجد شريك فلسطيني» (اقرأ لوموند ديبلوماتيك تموز/يوليو ٢٠٠٢ تحت عنوان «الوجه الحقيقي للسيد باراك»). هل يمكن لـيشوع أن يتجاهل كل هذه الشهادات؟ هل يمكن أن ينكر مسؤولية باراك الذي وصفه أوري أفنيري بأنه «مجرم سلام»؟
أما بالنسبة للمفاوضات بين محمود عباس وإيهود أولمرت، فإننا نسبح في بحر البروباغندا الإسرائيلية. هنا أدعو يشوع إلى أن يقرأ مذكرات المفاوض الفلسطيني زياد كلو «لن تكون هناك دولة فلسطينية» (منشرورات Max لعام ٢٠١٠).
إلاإذا كان يشوع يعتبر أن التصلب هو عدم قبول السلطة الفلسطينية انتزاع أجزاء أخرى من الـ٢٢ في المئة من فلسطين التاريخية التي يطالبون بها وأن لا تكون للدولة الفلسطينية أي سيادة لا على أجوائها ولا على حدودها البرية، باختصار عدم القبول بـ ـ«بانتوستان».
والآتي أعظم: فالكاتب يجزم بأن رغبة الفلسطينيين بالحصول على دولة ثنائية القومية «تفسر قصور ردات فعلهم وعدم قيامهم باحتجاجات مدينة غير عنيفة لما يقوم به المستوطنون»، ويرى «أنهم يبقون في أسرتهم عندما يحرق المستوطنون مساجدهم».
هل هو احتقار؟ أم سفاهة؟ أم جهل؟ ألا يعرف الكاتب تاريخ الانتفاضة الأولى (المسالمة) أو تاريخ الانتفاضة الثانية المسلحة؟ هل أوقفتا تقدم الاستعمار؟ أما الحديث عن فلسطينيين ينامون بينما زعران يحرقون مساجدهم، فهو يتناسي أن المستوطنين هم في حماية الجيش، وهم في أغلب الأحيان مسلحين ولا يترددون بالقتل- بينما يشوع يكتب مقالاته لصحيفة «هآرتس»…
وينهي الكاتب مقالته بالقول إن أفضل الطرق لتجنب هذه الدولة ثنائية القومية هو«إقناع الفلسطينيين بالتعبئة» لحل الدولتين، إن مشكلة المُستَعمِر هو اتهام المُسّتَعمَر بأنه: متخلف وأنه لا يجند نفسه حسب إرادة رسمها له، وأنه ينام في سرير من حرير.
Alain Gresh