سحر مصر.. صور من الزمن المفقود.. 1850-1900
يقول الكاتب المصري عرفة عبده علي في مقدمة كتابه (سحر مصر.. صور من الزمن المفقود.. 1850-1900) إن “أول صورة التقطت في مصر” كانت في السابع من نوفمبر تشرين الثاني 1839 للمصور والمستشرق الفرنسي هوراس فيرنيه (1789-1863) الذي اشتهر برسم المعارك والحروب.ويضيف أن تلك الصورة “كانت تمثل مشهدا من جناح الحريم خلال استقبال محمد علي باشا والي مصر له (فيرنيه) في قصره بالإسكندرية والذي علق على تلك الصورة في دهشة ملحوظة بقوله: هذا من عمل الشيطان.”
والكتاب الذي يقع في 262 صفحة كبيرة القطع ويضم أكثر من 200 صورة فوتوغرافية بالأبيض والأسود يصدر غدا السبت عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.
ويحوي الكتاب صور فوتوغرافية التقطها أجانب في نهايات القرن التاسع لمعالم مصرية تشمل مواقع ثقافية وفنادق ومساجد وقصورا وأسبلة ومتاحف بعضها انتقل من مكانه والآخر هدم أو أتى عليها حريق ولم يبق منه إلا هذه الصور.
من هذه المعالم (سراي الزعفران) وهي مقر إدارة جامعة عين شمس حاليا و(سراي الإسماعيلية الصغرى) وهو قصر كان يشغل مكان (مجمع التحرير) المبنى الإداري الضخم الذي تأسس عام 1951 ويطل على ميدان التحرير الذي ظل حتى ثورة 1952 يحمل اسم (ميدان الإسماعيلية) نسبة إلى الخديو إسماعيل والي مصر بين عامي 1863 و1879.
وعرفة عبد علي كاتب يعنى بالتاريخ وله مؤلفات أخرى منها (يهود مصر.. منذ عصر الفراعنة حتى عام 2000) و(يهود مصر.. بارونات وبؤساء) و(موالد مصر المحروسة) و(القدس العتيقة.. مدينة التاريخ والمقدسات).
ويقول المؤلف إن طائفة من الرحالة الأوروبيين من فنانين وكتاب من أصحاب “النزعة الرومانسية” جاءوا إلى الشرق في بداية القرن التاسع عشر مزودين بخلفيات من كتابات المستشرقين ولكن الجانب الجمالي طغى على اهتمامهم.
ويرى أن غزو فرنسا لمصر عام 1789 بقيادة نابليون بونابرت “كان النموذج الأكمل للمصادرة العلمية التي تمارسها ثقافة أقوى… في إطار الاحتواء الاستشراقي الفرنسي لمصر” وأن الاحتكاك الحضاري بين الشرق والغرب في القرن التاسع عشر أدى إلى “إعادة النظر في المعرفة الغربية للشرق”.
ويقول إنه بسبب الولع الأوروبي نالت مصر اهتماما خاصا من “المصورين الأوائل” وأغلبهم من البريطانيين والفرنسيين والأرمن الذين قاموا بعملية “التوثيق المرئي” وإنه بنهاية القرن التاسع عشر أنتج المصورون المحترفون والهواة عشرات الألوف من الصور عن مصر التي لم يبق منها إلا القليل.
وينقل المؤلف من كتاب (رحلة من كورن هيل إلى القاهرة الكبرى) للبريطاني وليم ثاكري (1811-1863) قوله “أنى لي أن أصف روعة شوارع القاهرة واختلاف مواقع الجمال المثيرة للخيال والتنوع الباهر في أساليب العمارة وطرز البيوت والمساجد… وذلك التبادل الرهيف بين الأضواء والظلال… فالقاهرة هي فردوس المصور تنتظره فيها ثروة هائلة يجنيها… إذ تنبسط أمام ناظريه موضوعات يمكن أن تشغل أكاديمية فنون بأسرها.”
ومن هذه الصور منظر لمشربيات قصر (المسافر خانة) الذي بني في نهاية القرن الثامن عشر وسكنه ولاة وأمراء في القرن التاسع عشر ثم تحول في ستينيات القرن العشرين إلى مركز ثقافي للأدباء والفنانين التشكيليين وتعرض لحريق عام 1998 ولم يبق منه شيء.
ويضم الكتاب صورة لواجهة فندق شبرد القديم الذي شيد في أربعينيات القرن التاسع عشر في حي الأزبكية بوسط القاهرة ثم أتى عليه “حريق القاهرة” الذي التهم يوم 26 يناير كانون الثاني 1952 مئات المحال في العاصمة.
أما دار الأوبرا الخديوية التي افتتحت عام 1869 ونجت من “حريق القاهرة” عام 1952 وتبدو في إحدى صور الكتاب تحفة معمارية فلا أثر لها حاليا حيث احترقت هي الأخرى في أكتوبر تشرين الأول 1971 ودمر المبنى بالكامل.
وفي الكتاب صورة ترجع إلى عام 1880 لجامع السلطان حسن الذي بني في القرن الرابع عشر الميلادي وصورة أخرى للمسجد نفسه عام 1900. وكان المسجد المجاور له “جامع الرفاعي” لم يكتمل بناؤه حيث افتتح عام 1911 ويضم حاليا قبور بعض حكام مصر السابقين وآخرهم الملك فاروق إضافة إلى شاه إيران الراحل محمد رضا بهلوي.
وفي الكتاب صور لبعض معالم منطقة الأهرام جنوبي القاهرة ومنها فندق مينا هاوس عام 1880 وصور ترجع للعام نفسه لأبي الهول وجسده يغوص في الرمال التي أزيحت عنه في وقت لاحق.
وإلى أقصى الجنوب في محافظة أسوان يضم الكتاب صورا لواجهة معبد أبو سمبل في موقعه القديم حيث نحت في عمق الجبل بجزيرة في نهر النيل منذ إنشائه في عهد الملك رمسيس الثاني.
وبسبب بناء السد العالي تعرض معبد أبو سمبل للغرق وقادت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) في منتصف الستينيات حملة إعلامية دولية لإنقاذ المعبد الذي نقل بالكامل إلى موقعه الحالي حيث ابتكر المثال المصري أحمد عثمان (1907-1970) فكرة تقطيع المعبد إلى أجزاء ثم إعادة تركيبها.