بسّام الطيارة
تحولات كبرى تشهدها المملكة العربية السعودية. لا تتوقف هذه التحولات فقط على باب التغيير الأساسي في نظام توارث العرش الوهابي، بل تتجازه لتطال الاستراتيجية الإقليمية للدولة السعودية ومعها مجلس التعاون بالكامل.
أول هذه التحولات الاستراتيجية هي تجاوز القادة السعوديين الجدد «اللغة الخشبية» في التوجه نحو المسلمين: المملكة ومعها دول الخليج (باستثناء سلطنة عُمان) قررت أن تكون «حامية السُنة» للتتصدى لإيران «حامية الشيعة»، والمملكة بذلك تكتفي بأخذ قطار المذهبية المنطلق بأقصى سرعته نحو تقسيم العالمين العربي والإسلامي. من هنا صفق الشطر السني لـ عاصفة الحزم» واعتبرها انقاذ لليمن ، وانتقدها «الشطر الشيعي» واعتبرها عدوانا. وبدأ الترقب يلتفت نحو سوريا.
ولكن إطار هذا الانشطار المذهبي يتجاوز الحروب الإقليمية ودور المملكة الجديد في حماية السنة جهراً على حساب الشيعة وحليفتهم إيران ليرقى بالمملكة إلى مصاف قوة إقليمية تجاوزت قواها الاعتماد على «دفتر الشيكات» فباتت قوة عسكرية تستطيع من دون موافقة الراعي الأميركي القيام بـ«مغامرات عسكرية» تقلب موازين القوى الإقليمية. تمامً مثل … تركيا ومصر… وإيران.
تثبت المملكة عبر هذه التحولات أنها مركز ثقل مالي ونفطي ولكن أيضاً مركز قرارات عسكرية تؤثر على المعطيات الديبلوماسية في المنطقة.
ولكن، يدرك قادة السعودية ومعهم أمراء وشيوخ الخليج بأن تثبيت هذا الواقع يعتمد على رافعة مالية داخلية تجنب هذه البلدان الخضات الاجتماعية الداخلية التي ترافق عادة كل تحول نوعي كبير مثلما شهدنا في الشهور المنصرمة.
صحيح أن دول الخليج «تجلس» على مخزون نقدي يقدره البنك الدولي بـ «٢٥٣٠ مليار دولار» ولكن تراجع أسعار النفط سيقود إلى «خسائر لمدخول منتظر» يقدر بـ ٢٨٠ مليار دولار. وانعكاسات هذا النقص في المداخيل النفطية ليس متشابهاً في دول المجلس : قطر تملك احتياطاً نقدياً كبيراً وكذلك الإمارات العربية، كما أن قطر تعتمد على تصدير الغاز وكذلك الأمر بالنسبة للكويت. وفي مجمل الأحوال فإن كافة أعضاء دول الخليج ليس لديها «العائق الديموغرافي» كما هو حال المملكة.
فعدد سكان المملكة يتجاوز الـ ٢٠ مليون نسمة ونسبة الشباب (أقل من ٣٥ عاماً) تتجاوز الـ ٦٠ في المئة. فيما أن نسبة العاطلين عن العمل (بين سن الـ ٢٥ والـ٣٥) تقدر بـ ٣٠ في المئة وهو «رقم رهيب» حسب تعبير منظمة العمل الدولية. هذه الحال مدعومة حتى الآن بضخ أموال «أميرية» من قبل الدولة تماماً كما حصل في مطلع ٢٠١١ حين أمر الملك الراحل عبد الله بـ«توزيع ١٣٠ مليار دولار مباشرة على الشعب» لاستيعاب أي تحرك في سياق الربيع العربي المنطلق. وقد افتتح العاهل الجديد عهده بتوزيع ٣٥ مليار دولار بمناسة اعتلاء العرش. أضف إلى ذلك المشاريع الضخمة التي هي قيد التنفيذ والتي تبلغ عشرات المليارات من الدولار إلى جانب صفقات السلاح للداخل (٤٠ مليار) ولمساعدة دول حليفة مثل لبنان ومصر (٧ مليار دولار)، ناهيك عن الدعم المالي للحلفاء (السنغال وباكستان والمغرب ومصر والمعارضة السورية)، والمساعدات الهيكلية الدائمة لعدد كبير من الدول الإسلامية في أفريقيا وآسيا. كما أن تجديد منشآت النفط تتطلب ما يزيد عن ٣٠٠ مليار دولار في السنوات العشر المقبلة.
كل هذا كان ممكناً عندما كان سعر البرميل يدور حول الـ ١٠٠ دولار أما الآن فهو في دائرة الـ ٦٠ دولار (بعد أن وصل إلى ٤٠ دولار خلال فترة شهور طويلة). وحسب كل الأخصائيين فإن قيام المملكة بدورها الجديد ( المالي والديبلوماسي والعسكري) يتطلب ميزانية تعتمد على سعر برميل في حدود الـ ٩٠ دولار. وفي غياب ضخ مالي في المجتمع السعودي فإن التململ في صفوف الطبقات الفقيرة يمكنه أن يتحول إلى موجة مقلقة للحكام الجدد، موجة تطرح أسئلة حول تكلفة التدخل في الخارج فيما البلاد بحاجة ماسة لهذه الأموال التي تذهب للخارج.
من هنا يرى المراقبون أن «آلانتصارات العسكرية» لن تكفي للجم أي «تحرك اجتماعي» يمكن لقوى الخصوم أن تؤججها في الداخل، وبالتالي فإن الجبهة الاقتصادية هي بنفس أهمية الجبهات الأخرى العسكرية والديبلوماسية، ولا يمكن ربح معارك الجبهة الاقتصادية سوى برفع سعر النفط عبر خفض للانتاج تكون له نتائج من الصعب جداً التنبؤ بانعكاساتها (التي قد تكون إيجابية) على خصومها (روسيا وإيران).
الحكام الجدد أمام خيارات صعبة في هذا المجال.