- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

الأصوليات وأنظمة الاستبداد في نسيج واحد ضد “داعش”

Attwi Moammar 2014معمر عطوي
يبدو أن تنظيم “الدولة الإسلامية” المعروف بـ”داعش” لم يوحّد فقط الأضداد على مستوى الدول، بل تجاوز ذلك ليضع في خانة محاربيه كل التنظيمات الأصولية ليست فقط الشيعية، بل أيضاً السنية وما يتشكل من ميليشيات- أو في طور التشكل- لدى أقليات سوريا ولبنان والعراق.
فالتنظيم الذي أوجدته أجهزة استخبارات غربية، بايحاء من منظمات دولية عابرة للقارات على علاقة بتجارة السلاح وصناعة النفط والغاز والتفتيش عن الثروات المدفونة وغير المدفونة، لم يخلق حالة خوف وبلبلة في صفوف من هو غير إسلامي فقط، (على اعتبار أن كل منطقة يغزوها “داعش” يبدأ بقتل وسبي وتشريد الأقليات التي يصفها بالرافضة أو بالكافرة أو بالمشركة). ولم يعزز الشرخ المذهبي السني الشيعي فقط في المنطقة من حوض البحر الأبيض المتوسط حتى حدود باب المندب، بل تحول الى حالة خطيرة في وجه الدول المتخاصمة على حد سواء مثل أميركا وايران والسعودية ودول أوروبا مروراً بروسيا وصولاً حتى الصين واليابان من دون أن ننسى العلاقة المحرمة مع الكيان الصهيوني الغاصب.
مروحة تتسع لعشرات الدول، ومن بينها دول ساهمت بشكل أو بآخر في تنمية ظاهرة التطرف المذهبي أو دعمت هذه الحالة الارهابية غير المسبوقة مباشرة أو بشكل غير مباشر على طريقة الفعل الذي يولد ردة فعل.
والمفارقة أن التنظيمات الإسلامية وعلى اختلاف درجات تطرفها وتزمت عناصرها أو صنمية عقائدها، باتت تزايد على “داعش” في مسألة الانفتاح والبرغماتية والوسطية والحوار مع الآخر، رغم أن افكار العديد منها- وهي سنية وشيعية على حد سواء- يقود الى ممارسة داعشية على المدى القريب أو الأبعد وهذا ما ظهر جليًا في ممارسات “الحشد الشعبي” في العراق والحوثيين المتحالفين مع النظام الديكتاتوري المخلوع في اليمن، و”حزب الله” في سوريا. فالخلاف بين هذه التنظيمات وأخرى في الجانب المعارض للنظام السوري، وبين تنظيم “الدولة” الذي عبّر عن عقيدته وأفكاره بكل سفور وعنجهية ودموية، هو فارق في الدرجة لا فارق نوعي.
ولعل موقف “فجر ليبيا” اليوم اثر انفجار انتحاري استهدف أحد مقراته في طرابلس وموقف حركة “حماس” من تغلغل “داعش” في قطاع غزة، والمعارك الدموية بين تنظيمات أصولية سورية معارضة للنظام مع “داعش”، يماثل مواقف الأصوليات الشيعية التي تقاتل “داعش” في سوريا والعراق و”القاعدة” في اليمن.
نعم استطاع “داعش” توحيد الأضداد حتى من خارج المذهب الواحد والطائفة الواحدة، وبات الحديث يروج في دول المنطقة عن أمن طائفي ذاتي للمسيحيين وآخر للدروز وآخر للعلويين وغيره للصائبة والإيزيديين الخ…
المفارقة اللافتة في الظاهرة الميليشيوية التي باتت تسيطر على المنطقة بأسرها في ظل ضعف الدولة وغياب السلطة العادلة، هو أن الميليشيات التي كانت في موقع مهاجة جيوش نظامية، باتت تتصرف على طريقة هذه الجيوش في مواجهة مجموعات مسلحة من “داعش” او “القاعدة” أو غيرها، كما يجري في سوريا ضد مواقع “حزب الله” وحواجزه، او في العراق ضد ميليشيات مذهبية تسمى “الحشد الشعبي” أو في اليمن ضد جماعة الحوثيين التي غزت معظم أراضي اليمن بقوة السلاح وصنعت لها خصوماً كثيرين من أبناء اليمن “السعيد”.
المشهد المضحك المبكي هو أن هذه الميليشيات بمعظمها، وبقطع النظر عن هويتها الطائفية أو المذهبية أو العشائرية، باتت في نسيج واحد مع السلطات الاستبدادية في مواجهة هذا البعبع الذي نجح في خلق فتنة وحروب دموية بين أطراف الوطن الواحد فتغلبت العصبية الدينية على العصبية القومية وباتت هي البضاعة الرائجة التي نجح هذا التنظيم في تسويقها تمهيداً لتقسيم البلاد الى دويلات مذهبية ودينية تعيد المنطقة الى ما قبل العصور الوسطى وتبقيها تحت رحمة الكبار الذين يعرفون كيف يستغلون ثرواتنا كما استغلوا عقولنا وعواطفنا وغرائزنا الدينية الهدامة.