أمبرتو إيكو، الألسني، وأستاذ النقد النصي وكاتب الرواية المشوقة “اسم الوردة”، صدر له كتاب “الحرب الزائفة”. كتاب ينتقد فيه «الصحافة الكسولة» ويشير إلى قوة «نظرية المؤامرة» التي تدفع نحو الخمول الفكري.
وتدور أحداث القصة في مدينة ميلانو بإيطاليا، زمن سنوات برلسكوني، حيث يتواجد فريق من الصحفيين بعضهم من الكسالى والآخر من الموهوبين انضموا إلى جنب شخص مهووس بالصحافة لإطلاق جريدة “دوماني”، وهي صحيفة موجهة لتجسيد نهضة الصحافة الحرة. لكن يبدو أن هذه اليومية ليست إلا خدعة أبدعها مدير الجريدة ومناورة منه بغية التأثير والتغلغل في الوسط المالي.
فريق تحرير ضعيف وأحمق يعمل لحساب صحيفة لن يكتب لها الصدور، والتي يتواجد على رأسها “براقادوشيو” وهو صورة مشخصة لكوجاك التي تجسد المؤامرة كما أن الرواية تتبعها سلسلة من الاغتيالات.
إنها ليس إلا جملة من لقاءات تحرير مروعة وتحقيقات بشعة ومقالات سخيفة، ويبدو إمبرتو إيكو من خلال روايته “الحرب الزائفة” رائعًا حيث يمضي في وصف كيفية خلق الخلل والاضطراب الإعلامي. وإيكو المختص في علم الجماليات والاستاذ الجامعي هو أيضاً… صحفياً يكتب في جريدة “الإسبريسو” و”لاريبوبليكا”، كما أنه يعهد إليه الاهتمام بنقد المجال الإعلامي وله أيضاً تحليلات للصحافة المعاصرة.
ويقول “إيكو” في لقاء مع صحيفة «لوموند» الفرنسية، إنه يقرأ جريدتين كل صباح وباقي الصحف كل يوم، ويضيف “يتعذر علي ارتشاف القهوة ولا ابتداء نهاري دون إلقاء النظر عليها، فأنا أشاطر فكرة هيغل بخصوص كون «قراءة الصحف عبارة عن صلاة يومية للإنسان العصري»، أنا قارئ لكني أكتب أيضًا في يومية وفي أسبوعية ولكن غالبًا ما ألقي النظر فقط على عناوين المقالات فالصحافة يكمن همها الوحيد في إعادة سرد أحداث البارحة”.
وإعادة سرد نفس الأخبار يوميًا هي أزمة كبيرة يعود جذورها إلى نشأة التلفزة، حسب “إيكو”، ومن هنا اتخذت الجرائد وتيرة أخرى لتتحول إلى أسبوعيات وهذا ما خلق أزمة أخرى، فكيف يمكن ملأ 40 أو 50 صفحة عندما تكون أهم الأخبار تدور حول أحداث المواجهات بين “البلاك” والشرطة عند افتتاح المعرض الدولي لميلانو أو سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على مدينة تدمر، وهي أحداث يتم إعادة تداولها يوميًا.
ويستطرد “إمبرتو إيكو” أنه عندما كان خلال السنوات الماضية في سفر في إيقيانوسيا كان يقرأ منشورة “فيجي جورنال”، وتخصص هذه المنشورة صفحة واحدة لكل الأحداث التي تجري في العالم أما باقي الصفحات فهي مخصصة للإشهار ومع ذلك فكانت لديه صورة واضحة وشاملة عما كان يجري في العالم.
كما أن الأخبار الأساسية يمكن حصرها في عمود واحد مثلما هو عليه الحال في جريدة “نيويورك تايمز” ولذا توجب على الصحافة التعمق في الأحداث الراهنة وترك المجال للأفكار والقيام بتحقيقات أكثر.
أما النقد الأدبي فيكاد ينعدم فنحن نرى الأولوية تقدم للحوارات “الإكسبرس” التي تظهر يومًا واحدًا بعد صدور الكتاب حتى لا يضيع السبق الصحفي، وفي هذه الحالة لا يمكن إصدار حكم نقدي على الكاتب إذا كان خلال حواره يثني فقط على منشوره، ومن هنا كان النقد محتومًا لإحباط جل المناورات الزائفة وفسح المجال للفكر النقدي البناء يرفض وحدة الفكر.