بسّام الطيارة
صدر عن وزارة الخارجية الروسية «لائحة سوداء» بمثابة رد على لائحة العقوبات الأوروبية، تمنع بموجبها ٨٩ شخصية سياسية وغير سياسية من منتقدي السياسة الروسية من دخول أراضي روسيا.
الإعلان لا يبدو غريباً في ظل تبادل العقوبات بين الغرب وروسيا منذ انطلاق الأزمة الأوكرانية.
الغرابة جاءت من ردة فعل العواصم الأوروبية التي انتقدت «اللائحة السوداء»، بحجة أنه «لا مستند قانوني لإصدار مثل هذه العقوبات» ،هي غري مبررة بنظر هذه العواصم التي فرضت سلسلة من العقوبات على الاقتصاد الروسي ونظامه المصرفي ووضعت «لائحة سوداء» تضم ٢٥٠ شخصية روسية ممنوعة من زيارة دول الاتحاد الأوروبي.
رغم هذا لا حياء في استنكار اللائحة الروسية.
لا ندافع عن روسيا ولا عن سياسة روسيا ولسنا مع أو ضد نظرية المؤامرة، وموقفنا هذا ليس لتأييد اليمين الأوكراني ولا المنشقين في شرق أوكرانيا ولسنا في صدد انتقاد أو تأييد دعم روسيا للنظام السوري، ولا لموقفها من بيع إيران منظمة صواريخ، ولكن عند موقف كهذا من الدول الأوروبية لا بد لنا أن نتوقف ونسأل هذه العواصم: على أي أساس لا يمكن لروسيا تطبيق مبدأ «المعاملة بالمثل» المعترف به ديبلوماسياً؟
المنطق الأوروبي هو في الواقع منطق كولونيالي متعال يعتبر أن كل ما يصدر عن الغرب هو «دوكسا» (doxa) بالمعنى الفلسفي الإغريقي لهذا التعبير. وهو أن كل ما يقوله الغرب هو الحق لأن الغرب هو «السلطة المركزية الفكرية» التي تنص على ما هو جيد وما هو عاطل في كل الأمور ومنها النزاعات الدولية والأزمات بين الدول.
بالنسبة للعواصم الأوروبية على روسيا أن تقبل بما يصيبها من عقوبات من دون أن تحرك ساكناً للدفاع عن نفسها إذا عليها الاعتراف بأنها شريرة… عليها الاعتراف بأنها أخطأت وبالتالي عليها استقبال من يريد انتقادها وانتقاد سياستها في عقر دارها والخضوع للائحة العقوبات التي تمنع سياسييها من السفر إلى العواصم الأوروبية وإن كان ذلك لشراء عطور أو للدفاع عن سياسة روسيا.
بمعنى آخر على روسيا أن تتقبل «حكم الغرب» على أفعالها دون أي ردة فعل.
بيت القصيد: إذا كانت معاملة روسيا الدولة العظمى (شئنا أم أبينا) النووية غازية الفضاء والقادرة على محو الكرة الأرضية بصواريخها الموازية لصواريخ أميركا، روسيا التي تحوي بطون أرضها أكبر احتياط مواد أولية من نفط إلى الذهب مروراً بكافة المعادن. روسيا التي تمتد أراضيها من المحيط الهادي شرقاً إلى حدود أوروبا غرباً، إذا كانت معاملتها بهذا الشكل، وقد عبرت عن هذه المعاملة الفوقية ردات فعل العواصم الغربية… فكيف تكون معاملة دول صغيرة فقيرة لا حول لها ولا قوة في المجال العسكري والاقتصادي ناهيك عن قدرتها على تأمين ما تقتاتها شعوبها؟
هذه المعاملة الفوقية تستطيع أن تستوعبها روسيا وكذلك الصين والهند والبرازيل رلربما تركيا وكذلك بدرجة أقل كوريا الشمالية واإيران (الرادع النووي) ولكن في حال غابت القدرة على الاستيعاب فإن ردة الفعل الوحيدة تكون زرع بذور الإرهاب في نفوس الشعوب المستضعفة.
حان وقت التخلي عن هذه «الثوابت الاستعمارية» في سياسات الغرب تجاه كل الشعوب والدول. هذا ما تعجز عنه العولمة وهذا ما يجعل العولمة مستهدفة ومكروهة: فهي تأخذ ولا تعطي.