إسرائيل ومأزق أسراها لدى حماس
لم تفهم غالبية سكان غزة ولا زائريها ما قامت به حركة حماس في العام المنصرم عندما عمدت وبمجرد أن هدأت نيران مدافع الحرب الغاشمة إلى تثبيت إشارات مرورية على مفترق بعض الطرقات تشير إلى ميناء غزة البحري وأخرى إلى مطار غزة الجوي… وذلك من قبل أن تطأ أقدام الوفود الإعلامية التي أتت للتهنئة بالنصر أو تلك التي حملت معها بعض المعونات التي تفضل النظام المصري حينها بالسماح لها بالعبور… واشتعلت يومها وسائل التواصل الاجتماعي ساخرة من هذه الإشارات وساهم بعض نشطاء حماس فيها ولكن كان هدفهم إرسال رسالة أو إشارة ضمنية أولى للعدو الصهيوني الذي قام بحرب غاشمة وظالمة بأن الثمن كبير… وكبير جدا… فحماس كانت تتصرف بناء على ما استطاعت الحصول عليه من أوراق خلال هذه الحرب تخولها رفع السقف بهذا الحجم وتجعل العدو الصهيوني يرضخ لمطالبها وبالتالي تجعل من المطالب الفلسطينية حقيقة فيما لو قدر لها أن تمارس اللعب بها بنجاح…
سنة مرت والسلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس تغازل حماس تارة وتهدد وتتوعد بإجراءات تارة أمنية نفذت بعضها وتارة اقتصادية من ناحية عدم دفع رواتب الموظفين المحسوبين عليها من أجل زيادة الضغوط الاجتماعية على حماس وتارة أخرى سياسية من خلال لقاءات عباس المتواصلة بالمسؤولين العرب والدوليين… وكل ذلك لكي يكون للسلطة دور في هذه الكعكة الشهية أو البازار ولو إعلاميا…!!!
وكان على نفس الخط وفي طريق مواز مصر التي تريد دورا ولكن ليس جانبيا بل أساسيا في هذا البازار أيضا فاستغلت أجهزتها حربها على الإخوان وما يحدث في سيناء موعزة لبعض الإعلاميين في اتهام حماس بالوقوف وراءها أو بالمشاركة بالتخطيط لها… مع العلم أن كل العالم يعلم من خلال أجهزة مخابراته وأقماره الصناعية أن حماس لا علاقة لها بالموضوع لا من قريب ولا من بعيد وأنها هي نفسها أيضا مستهدفة شأنها شأن النظام في مصر على السواء… واستطاعت حماس وبحنكة يشهد لها فيها تخطي هذه التعبئة الإعلامية والشعبوية ضدها بهدوء ودون المساس بمشاعر المصريين ووطنيتهم وأرسلت إشارات سياسية تتعلق بعلاقتها بالإخوان مؤكدة على أن دورها ينحصر في مقاومة إسرائيل وليس في التدخل في الشأن الداخلي المصري وإشارات أخرى تؤكد على دور مصر الاستراتيجي في القضية الفلسطينية وتحرير فلسطين… فاستوعبت مصر الرسالة وفهمتها ولكنها بقيت دون المطلوب من حماس لبلد يملك شريان الحياة بالنسبة لكل القطاع ولكنها من الممكن البناء عليها في مرحلة لاحقة…
وفي المقابل كانت إسرائيل ومن خلال عملائها وأقمارها الاصطناعية ووسائل التنصت التي تملكها بالإضافة إلى مساعدات لا يستهان بها في هذا المجال من دول غربية وأمريكا تحاول معرفة أي شيء ولو بأي ثمن عن أسراها الذين لم يعودوا لذويهم.. ولم تترك وسيلة إلا واتبعتها ولكنها اصطدمت بجدران من الصمت المطبق كانت أقوى من جدران الفصل العنصرية التي بنتها ومن دون أن يسفر ذلك عن شيء…
وحاولت مرة أخرى عبر وفود دبلوماسية غربية عديدة سمحت لها بزيارة غزة وكانت قبلها تمانع في ذلك وبشدة لأنها تعلم أن بعض هذه الوفود سوف يوجه لها اللوم على ما خلفته حربها وهمجيتها من دمار وآثار لا إنسانية على غزة…! فتحملت إسرائيل كل تلك التصريحات وهي التي كانت تعتبر يوما أن مجرد ذكر كلمة دمار أو جريمة إلى جانب اسم إسرائيل إهانة لا تغتفر… وفي كل مرة كانت تلك الوفود الدبلوماسية تعود بخفي حنين ودون أي خبر يؤكد حياة أسراها أو موتهم أو حتى وجودهم… وحاولت أيضا عبر صداقاتها الغير منظورة مع بعض الأنظمة العربية ولكن دون جدوى…
وخرج أبو العبد هنية رئيس وزراء الحكومة المقالة عن صمته بتصريح مفاده أن أزمة الأسرى لدى إسرائيل لن تطول واعدا بتحرير كل الأسرى بلا استثناء دون التفريق بين أسرى حماس وفتح وبقية المنظمات والفصائل الفلسطينية… وأيضا لم يفهم الغزاويون ولا الفلسطينيون مرة أخرى فحوى تصريحه هذا واعتبره بعضهم يومها من باب الشعارات ولتهدئة بعض الخواطر… واشتعلت وسائل الاتصال الاجتماعي بالسخرية والتعليق على تصريحه بينما كان الغزاويون ممن هدمت منازلهم يعانون من البرد الشديد ومن انقطاع الكهرباء وشح مياه الشرب وقلة الأدوية أو فقدانها وبعض المواد الغذائية…
هذا في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تلتزم الصمت أمام الرأي العام في إسرائيل حول أسراها وعددهم وحالتهم وتعيش أزمة سياسية داخلية حاولت تغطيتها واستيعابها بالانتخابات كعادتها لتمرير الوقت عسى ولعل…! ولكن لم تستطع استيعاب أشد أزمة تعترض جنودها منذ حرب أوكتوبر (العاشر من رمضان) عام 1973 لأن وضع الجنود المعنوي والجهوزي في حالة صعبة للغاية…! وأصبحت على يقين أن أي حرب مقبلة مع الفلسطينيين العزل سواء أكانوا في الضفة أو في القطاع ستكون بالنسبة لها مكلفة جدا إن كان على صعيد الأفراد أو على صعيد سمعتها وسمعة جيشها أمام الرأي العام العالمي… وأنها أمام جيل مقاوم جديد متماسك من نوعية وطينة أخرى تدريبا وجهوزية وتكتيكا…
وفي خضم استعدادات حماس وأهل غزة للاحتفال بانتصارهم الأسطوري ودون سابق إنذار أعلنت إسرائيل أمام الملأ ومنذ أيام عن أن لديها جثتين وأسيرين لدى حماس مما شكل قنبلة أمام الرأي العام الإسرائيلي الذي أخفي عنه النبأ طوال سنة… في الوقت الذي ما زالت فيه حماس تلتزم الصمت… فهل هذا الإعلان من جانب إسرائيل تكتيك لدفع حماس لتأكيد أو لنفي الخبر وعندها تحدد إسرائيل الثمن الذي ستدفعه…؟ أم أن المفاوضات وصلت إلى نهايتها وأن من بين شروطها أن تقوم إسرائيل بتحضير الرأي العام لديها…؟ وهل الأربعة هو العدد النهائي…؟ أم أنه الأكمة التي تخفي ما لا تريد إسرائيل البوح به مرة واحدة…؟ وفيما لو تمت هذه المفاوضات ونجحت حماس فيما تصبو إليه فهل ستسمح بعض الدول العربية بانتصار فلسطيني ـ حمساوي في هذه المعركة الهادئة في الوقت الذي تشيطن فيه الإخوان المسلمين…؟
إنها أسئلة تفرض نفسها في هذه المرحلة في الوقت الذي تبلورت فيه مطالب حماس والفصائل من خلال ثلاث نقاط وهي:
أولا : حرية تنقل الأفراد والبضائع والمنتجات من وإلى القطاع بحرية تامة.
ثانيا : إطلاق جميع الأسرى الذين في سجون الاحتلال على مختلف انتماءاتهم والتوقف عن الملاحقات والاعتقالات العشوائية.
فتح ميناء غزة البحري أمام حركة بواخر البضائع والمسافرين ولاحقا إعادة فتح مطار غزة… وهذا المطلب الثالث بمجمله بقدر ما هو مزعج بالنسبة لإسرائيل وقد لا توافق عليه… فإن مصر لا تريده ولا تريد السماع به كونه يعطي للغزاويين مجالا أوسع من الحرية التي لا تستطيع السلطات المصرية ضبط إيقاعها وستفقد بالتالي الورقة التي تمسك بها وتلوح وتناور وأحيانا تساوم…