استضافت العاصمة الفرنسية مؤتمراً دولياً لحماية الأقليات الدينية والعرقية وضحايا الإرهاب والعنف والمهددة في منطقة الشرق الأوسط.
وشارك في المؤتمر ممثلون عن ٦٢ دولة، بينهم الدول المعنية وعدد من دول منطقة الشرق الأوسط إضافة إلى ممثلين عن المنظمات غير الحكومية والوكالات التابعة للأمم المتحدة. وقد افتتح الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند المؤتمر وشارك الأردن بإدارة الجلسات العامة إلى جانب وزيرا خارجية لوران فابيوس، ويأتي هذا اللقاء في سياق اجتماع لمجلس الأمن الدولي حول نفس المضوع التأم في ٢٧ آذار/ مارس الماضي.
وهدف المؤتمر إلى تحديد التدابير العملية للوقوف في وجه التحديات التي يطرحها اضطهاد الأقليات من إرهاب وعنف سياسي وتهجير وقتل واضطهاد وعبودية، وهي الممارسات التي ارتبطت بتنظيم «داعش» في السنة الماضية في العراق وسوريا ومناطق أخرى في الشرق الأوسط.
وقد لوحظت الكلمة التي ألقاها السفير بطرس عساكر ممثل الجتمعة العربية في فرنسا، إذ أنها كانت تعبر عن خطوط عامة لما يمكن أن تقوم به الدول والمؤسسات الدولية للتصدي لإرهاب الذي يصيب الأقليات بشكل خاص والدول العربية بشكل عام.
وفي ما يلي الكلمة التي حصلت عليها «أخباربووم»:
تشكر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية الرئاسة الوزارية الفرنسية الأردنية دعوتها للمشاركة في أعمال هذا المؤتمر، وتقدر عاليا المبادرة إلى عقده وتأمل أن يخلص النقاش فيه إلى النتائج المرجوة والى وضع خطة عمل يُستكمل مضمونها النظري بخطوات عملية تنفيذية ملموسة تسهم في التخفيف من عذابات شعوب الشرق الأوسط، ومن المآسي التي تتقاذفها.
وفي إطار العنوان الذي أعطي للمؤتمر، وما قد يوحي به من تفسيرات، أودّ توضيح النقاط التالية:
أولا: تنادي الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بمبدأ المُواطنة، وتنبذ في خطابها السياسي تسمية “الأكثرية والأقلية” العرقية والدينية في المجتمعات العربية كون هذه النظرية تنتمي الى زمن مضى وتستحضر هواجس صدام الثقافات والأديان، وتستبدلها بتعبير مكونات المجتمع. وهي في معتقدها ومواقفها تشدّد على مفاهيم الانتماء والولاء للوطن وعلى القيم الانسانية والمساواة بين البشر، والعدالة، وحرّية المعتقد التي نصّ عليها “الاعلان العالمي لحقوق الانسان” وما اورده “الميثاق العربي لحقوق الانسان” حول حق المواطن العربي في حريته السياسة وفي ممارستها، وعدم جواز حرمانه من التمتع بثقافته الخاصة واستخدام لغتها وممارسة تعاليم دينه وفقا لما ينص عليه القانون.
ثانيا: إن العنف والجرائم الارهابية البشعة التي ترتكبها المنظمات الارهابية بحق المسيحيين والايزيديين والتركمان والأكراد والشيعة والسنة وغيرها، ليست جرائم ضد مجموعات بشرية طارئة على بنية المجتمعات العربية وتاريخها وثقافتها، بل جرائم ترتكب بحق مكوّنات وطنية اجتماعية أساسية أصيلة في تاريخ المنطقة وحاضر شعوبها ومستقبلها. إنها جرائم ضد الإنسانية.
ثالثا: تعتبر الأمانة العامة ان الارهاب مقرونا بالغلو الديني والتطرف الفكري يمثل أحد الأخطار الداهمة الكبرى على المجتمعات العربية بكل مكوّناتها البشرية والثقافية. وان تحوّل الحركات الارهابية الى جيوش نظامية عابرة للحدود يستغل الصراعات السياسية في هذه الدولة أو تلك للتمدد والتوسع، ضاعف من خطرها وبات ينذر بتفتيت النسيج الاجتماعي في بعض الدول العربية وبما يهدد وحدتها الاقليمية.
رابعا: ترى الأمانة العامة ان الحماية من عنف الارهاب الذي تعاني منه معظم مكوّنات المجتمعات العربية، تتجاوز الوسائل العسكرية كما هو جار حاليا، الى معالجة في العمق للبيئة التي تحتضنه. وعلى كافة الصعد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والدينية. ولا تكتمل هذه الحماية وعودة النازحين الآمنة والدائمة إلى ديارهم إلا بوضع حلول سياسية لأزمات الدول المعنية وإقامة نظم سياسية تتأسس على مبادئ دولة القانون والديمقراطية والمساواة واحترام حقوق الإنسان فيها وضمان الحريات العامة والقبول بالرأي الآخر واحترام حق الاختلاف.
ختاما، ان ثقافة التطرف والأصولية التي تؤدي الى اشاعة العنف الدموي، تفرض اعادة النظر في المنظومة الفكرية العربية بأسرها بما في ذلك الثقافة والتعليم والاعلام والخطاب الديني، وبما يكفل تحريرها مما علق بها من غلو وتطرف، ومن ثم الارتقاء بها وجعلها تتفاعل مع روح العصر. وتأمل الأمانة العامة بأن نجتمع قريبا وقد نفذ الكثير من بنود خطة العمل التي ستعلن اليوم.