تأثير تواجد ٢ مليون لاجئ سوري على تركيا (تحليل)
بدأت علامات الإنهاك من إيواء أكبر عدد من اللاجئين في العالم تظهر على تركيا التي فتحت أبوابها للفارين من سوريا والعراق وهو ما يحمي دول أوروبا من أزمة هجرة أسوأ كثيرا من تلك التي تواجه صعوبات للتعامل معها حاليا.
وبينما تلجأ بعض الحكومات الأوروبية لرجال الشرطة الذين يحملون الهراوات وللمتاريس لوقف تدفق المهاجرين تعهدت أنقرة بمواصلة استضافة أكثر من مليوني شخص من جارتيها الجنوبيتين اللتين تمزقهما الحرب وترحب بأي أعداد إضافية تتوافد إليها.
لكن اللاجئين أصبحوا عبئا سياسيا بينما تستعد البلاد لانتخابات ستشهد منافسة قوية من المقرر إجراؤها في نوفمبر تشرين الثاني خاصة قرب البلدات التي يمكن أن تفوق فيها أعداد السوريين أعداد المواطنين الأتراك. ويشعر الكثير من الوافدين الجدد بالقلق لأن الحكومة تمنعهم من العمل إذ تخشى ردود فعل سلبية من الناخبين.
وحين اندلعت الحرب في سوريا عام 2011 اعتقدت تركيا أن عشرات الآلاف سيعبرون الحدود بين الدولتين التي يبلغ طولها 900 كيلومتر. ومنذ ذلك الحين غرقت البلاد في الحرب واستغل متشددو تنظيم الدولة الإسلامية الفوضى لفرض حكم وحشي ورجعي في أجزاء كبيرة من سوريا والعراق.
وتقول تركيا إنها أنفقت 6.5 مليار دولار على جهود الإغاثة الإنسانية التي شملت إقامة بعض أفضل مخيمات اللاجئين تجهيزا على الإطلاق إلى جانب توفير التعليم والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية.
ويقول راي مكجراث من منظمة ميرسي كوربس الأمريكية للإغاثة “هذه واحدة من أكبر الاستجابات الإنسانية التي رأيتها في أي مكان… هناك قبول بأن على تركيا أن تساعد جارتها مهما كان هذا متعبا.”
لكنه قال إن قدرتها على المساعدة بلغت منتهاها وعبر سنان أولجن رئيس مركز الدراسات الاقتصادية والسياسة الخارجية ومقره اسطنبول عن رأي مشابه.
وقال أولجن “استجابة تركيا كانت أكثر إنسانية كثيرا من أوروبا وتتفق أكثر كثيرا مع القيم العامة التي تزعم أوروبا أنها تلتزم بها.”
وأضاف “يحاول كثيرون فهم الحدود لحجم ما يمكن لتركيا أن تفعله. أعتقد أننا وصلنا إلى هذه الحدود.”
*”لا حياة”
زاد تفجير في بلدة سروج الحدودية في يوليو تموز ألقي باللائمة فيه على تنظيم الدولة الإسلامية المخاوف من أن تسهل سياسة الباب المفتوح على المتشددين دخول تركيا وقد عمق انهيار وقف إطلاق النار مع المقاتلين الأكراد في يوليو تموز المخاوف الأمنية.
لكن التحدي الأكبر هو طول المدة. وتسعى السلطات جاهدة لدمج أعداد ضخمة من اللاجئين الذين لا يتحدثون التركية واحتمالات عودتهم إلى وطنهم قريبا ضئيلة.
وتأجلت قضية منح تصاريح عمل للاجئين قبل الانتخابات البرلمانية المبكرة التي سيحاول فيها حزب العدالة والتنمية الحاكم استعادة الأغلبية التي خسرها في يونيو حزيران.
ودفع هذا القرار الذي انتقده عمال إغاثة اللاجئين للقيام برحلات الهجرة غير الشرعية التي تنطوي على مخاطرة في قوارب متهالكة إلى أوروبا.
وعلى النقيض من اليونان التي سمحت للكثير من المهاجرين بمواصلة رحلتهم تقوم قوات خفر السواحل وقوات الأمن التركية بدوريات على الطرق إلى أوروبا وتحتجز القوارب وتعيد ركابها إلى تركيا.
وفي كثير من الأحيان وعلى غرار ما حدث في حالة الطفل الغريق ايلان كردي ينطوي الأمر على انتشال جثث من لاقوا حتفهم خلال الرحلة.
وتمنح تركيا للاجئين وضع “الحماية المؤقتة” حتى يحصلوا على التعليم في المدارس والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية. لكن التكاليف في تصاعد شديد مع تراجع المؤشرات الاقتصادية.
وهبطت الليرة في الشهر الحالي إلى مستويات قياسية مقابل الدولار بينما لم يتجاوز النمو الاقتصادي العام الماضي 2.9 في المئة وهو ما يقل بكثير عن النسبة المستهدفة وهي خمسة في المئة. وتذكي التوقعات المتشائمة تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا.
وقال طارق (32 عاما) بينما كان ينتظر للعبور غير المشروع من منتجع بوضروم التركي إلى جزيرة كوس اليونانية بعد أن جاء من مدينة حلب السورية “لا حياة هنا. نحتاج أن نعيش حياة طبيعية. أريد أن أعثر على عمل.”
أوقفت قوات الأمن يوم الثلاثاء مئات الساعين للهجرة بينما كانوا يحاولون الوصول إلى الحدود البرية الغربية بين تركيا واليونان.
ويخشى عمال إغاثة ودبلوماسيون من أنه إذا لم تستوعب الدول الأوروبية المزيد من اللاجئين أو تزيد مساعداتها المالية لتركيا فقد يبدأ المسؤولون في غض الطرف عمن يحاولون الرحيل.
وقال جان كريستوف بيجون رئيس قسم تركيا بالإدارة العامة للمساعدات الإنسانية والحماية المدنية بالمفوضية الأوروبية “على الدول الأوروبية أن تتحرك لزيادة دعمها لتركيا.”
وقال مصدر بالاتحاد الأوروبي لرويترز إن الاتحاد كان بطيئا في التواصل مع تركيا بشأن التعامل مع تدفق اللاجئين لكن محادثات تجري لتقديم تمويل لمساعدة اللاجئين داخل تركيا.
وعلى الرغم من أنها تستضيف نصف إجمالي اللاجئين السوريين تقريبا فإن تركيا تتلقى أموالا أقل من جاراتها الأفقر التي تستضيف لاجئين مثل لبنان والأردن.
وتقدر الأمم المتحدة أنها جمعت 30 في المئة فقط من الأموال التي تقول إنها تحتاجها لتركيا هذا العام.
ويقول بعض الدبلوماسيين إنه تم تقديم عروض مباشرة بالتمويل لكنها تداعت بسبب الشروط الصارمة التي تضعها أنقرة لكيفية استخدام الأموال والدور المسموح لهيئات الإغاثة أن تلعبه.
ولم تحرز تركيا تقدما يذكر على صعيد إقناع الشركاء الغربيين بالحاجة الملحة لإقامة “منطقة آمنة” في شمال سوريا حيث يمكن إعادة توطين بعض اللاجئين. ويقول مسؤولون غربيون في أحاديث خاصة إنه ربما لا يتسنى تنفيذ هذه الخطة قبل سنوات.
وقال دبلوماسي غربي مطلع على الشؤون العسكرية “لا أظن أن هيئة الأركان التركية تناقش الأمر. إنه مجرد تطلع سياسي.”
وعلى الرغم من تضاؤل الآمال أكد مسؤول تركي كبير أن سياسة أنقرة لن تتغير.
وقال لرويترز “لا تزال تركيا ملتزمة بمساعدة المحتاجين سواء واصل المجتمع الدولي غض الطرف عن المشكلة ام لا.”
وقال أولجن رئيس مركز الدراسات الاقتصادية والسياسة الخارجية إن من المرجح أن تنتظر أنقرة لترى إن كان تزايد الجدل في أوروبا بشأن أزمة المهاجرين في الآونة الأخيرة سيعطي دفعة لعزم الغرب على القيام بتحرك أكثر حزما إزاء سوريا.
وأضاف “لكن إذا لم تتحقق التوقعات على جميع الجبهات فإن من الممكن أن تلجأ أنقرة لملاذ أخير وهو أن تزيد الضغط من خلال أن تكون أقل تعاونا على صعيد تدفق اللاجئين على أوروبا.”