إسقاط الطائرة الروسية مؤشر لعولمة الحرب السورية
بسّام الطيارة
يسلط إسقاط الطائرة السياحية الروسية فوق سيناء أضواء على تعدد أضلاع المسألة السورية التي انطلقت مع الثورة في مطلع ٢٠١١ لتصبح اليوم بعد أربع سنوات أحد أخطر نقاط التوتر في العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
١- الضلع المصري: بات اليوم أمراً مؤكداً هو تفجير الطائرة من الداخل مهما سيصدر عن السلطات المصرية من تصريحات وتقارير. الحطام المبعثر فوق ما بين ٢٠ إلى ٣٢ كيلومتر مربع مساحة يفيد بأن الطائرة انفجرت في الجو. ومن المستبعد جداً أن يكون ذلك نتيجة صاروخ أرض-جو إذ أن الطائرة كانت على علو ١٠ آلاف قدم، ورغم تصريح فرع داعش في سيناء بأنها وراء اسقاط الطائرة، فهي لا تملك تقنية الصواريخ بعيدة المدى هذه، ولكن إهابيي داعش تستحوذت الكثير من التعاطف لدى عدد من المواطنين المصريين، وحتى لو توصلت التحقيقات إلى كشف أن أحد رجال داعش وضع المتفجرة في الطائرة، فمن المستبعد أن تبوح مصر بذلك خوفاً على المواسم السياحية التي بدأت تعود رويداً رويداً.
٢- الضلع الروسي: روسيا باتت منغمسة في حرب ليس في سوريا فقط ولكن بحرب شرق أوسطية امتدت إلى سيناء ويمكن أن تذهب إلى أبعد م ذلك والحرب ما زالت في بدايتها. وليس من المستبعد أبداً أن يتحرك مسلمو الفيدرالية الروسية للانتقام مما يعتبروه حرباً روسية على الإسلام، فتكون حادثة الطائرة أول الغيث.
٣- الضلع الغربي: سيدب القلق في قلوب العواصم الغربية ويتغلغل الرعب إلى قلوب المواطنين من أن الحرب السورية بعد أن وصلت إلى أراضيهم عن طريق الذئاب المنفردة باتت اليوم تهدد حركة المواصلات العالمية، ما سيدفع بعض الحكومات الغربية للمزيد من التشدد مع كل ما يمت للإسلام بصفة بين مواطنيها مع ما يستتبع ذلك من توترات داخلي، وسيضغط الرأي العام على الحكومات للانسحاب من المستنقع السوري وهو ما بات شبه مستحيل.
٤- الضلع الأميركي: ستنتقل السياسة الأميركية مع الأزمة السورية إلى المزيد من التناقضات. فمصر هي حليف قوي لأميركا في المنطقة في غرب سوريا وأحد أركان محاربة التطرف، إلا أن القاهرة بدأت منذ شهور بالنظر بريبة إلى المعارضة السورية التي تحمل السلاح ما يقرّب قراءتها من قراءة الحلف الروسي الإيراني السوري. وبالمقابل تبتعد مصر عن قراءة تركيا والسعودية حليفي أميركا في شرق سوريا. وها هي حادثة الطائرة تأتي لتزيد من قناعة السيسي بوجوب محاربة «الإسلام السياسي» حتى ولو اضطر إلى دخول نفق الحرب الأهلية الطويل والمعتم.
٥-ضلع السعودية والخليج: تأتي هذه الحادثة لتزيد من ابتعاد مصر عن الحلف المالي العسكري الذي يربطها بالخليج والتي استطاعت تجاوزه في شق الخلاف مع تركيا. وكما تزيد هذه الحادثة من ابتعاد بعض مكونات الحلف الخليجي عن خط السعودية في معالجة الأزمة السورية بعد ابتعاد سلطنة عُمان وتمايز موقف دولة الإمارات. كما بات من الصعب على السعودية وحلفاءها كما هو وضع الغرب، زيادة تسليح المعارضة السورية أي صفة كانت صفاتها علمانية إسلامي أم جهادية، وكذلك سيكون هناك انعكاس على الحالة اليمنية خصوصاً بعد الحديث عن سيطرة مكونات جهادية على بعض أطراف مدينة عدن.
٦- الضلع التركي: تأتي هذه الحادثة لتقلل من وهج انتصار رجب طيب أردوغان ولتزيد من شكوك حلفاءه الغربيين في إمكانية التعاون معه في كبت الجماعات الإسلامية المتطرفة رغم قراره بقصف داعش في سوريا قبل يومين. تركيا مثلها مثل مصر تعتمد بشكل ما على دفق السياحة وهو سبب عدم تشددها في وقف وصول الجهاديين من أوروبا إلى أراضيها قبل الانتقال إلى سوريا، وتحت ضغط الغرب بدأت بالتشدد مع داعش وأخواتها وساهم ذلك في تأجيج حركة إرهابية داخل تركيا بعيدة جداً عن الثورة السورية. وبالطبع لن تهمل تركيا شق صراعها مع الأكراد في سوريا وداخل حدودها.
٧- الضلع الإيراني:إيران رغم إدخالها في جوقة الحل للأزمة السورية ما زالت في نظر المعارضةالسورية والمتشددين عدو يجب محاربته وكانت طهران تبني سياستها على أساس حلف مع مصر المتحولة للضغط على الحلف التركي السعودي إلا أن السيسي اليوم لا يستطيع التقرب من إيران علناً في الملف السوري لأن ذلك سيزيد من نقمة الإسلاميين في الداخل المصري ومن دعم من يدعمهم. وتخسر طهران في ابتعاد مصر عنها حليفاً عربياً محتملاً كان يمكن أن يلعب دوراً في طمأنة الغرب. وستضطر طهران لإظهار مزيداً من المرونة في الشق السياسي للحل السوري وبالتالي مزيداً من التصلب من قبل دمشق.
٨- ضلع المعارضة السورية: بعد أقل من يومين من إعلان الإدارة الأميركية زيادة تسليح المعارضة السورية العلمانية تأتي حادثة الطائرة لترمي المزيد من الشكوك حول إمكانية التمييز بين كتائب مقاتلة علمانية وكتائب مقاتلة جهادية، خصوصاً بعد سلسلة حوادث انتقال الأسلحة من بين أيدي معارضة علمانية إلى داعش والنصرة. وأياً تكن النتائج المعلنة لحادثة الطائرة فإن المعارضة السورية رغم ابتعادها جغرافياً عن سيناء ستكون مستهدفة إعلامياً بسبب ارتفاع الضوضاء الإعلامي الآتي من سوريا حول داعش.
إسقاط هذه الطائرة أبرز تناقضات الأزمة السورية الفريدة والتي باتت تمتد تشعباتها إلى كافة القارات فاستراليا وكندا مشاركة في الحرب إلى جانب الحلف الأطلسي والصين تراقب عن بعيد «مواطنيها» الأيغور يشاركون في القتال، وتستعد دول آسيا الوسطى لطرق أبواب الولوج في الصراع. ومن الناحية المدنية حورت معظم شركات الطيران خطوط رحلاتها وتجتمع منظمة الطيران «إياتا» غداً لدراسة «هذا التحول الكبير في أمن الطيران» وهو ما لم تفعله في أوج العمليات الإرهابية التي واجهت الطيران العالمي.
إنها بحق حرب عالمية انطلقت من بلاد الأمويين.