شبح عنصرية قاتلة يخيّم على القارة العجوز
معمر عطوي
يبدو أن مساوئ العنصرية أصبحت قاب قوسين أو أدنى من السخونة تمهيداً لاستقبال اللاجئين الأجانب، لكن هذه المرة ليس في ألمانيا فقط، بل في عموم القارة العجوز.
فقد أثبتت أحداث ليلة رأس السنة في مدينة كولونيا الألمانية، أن اللاجئين الأجانب وخصوصاً منهم الوافدون من دول عربية وإسلامية، يشكلون خطراً على الاستقرار والسلم الأهلي، بقطع النظر عما اذا كانت جريمة الاغتصاب الجماعي والسرقات والتحرشات عملاً في يوم “سيلفستر” كان منظماً أم عشوائياً.
ثمة أسباب عديدة تؤكد أن الأوروبيين لن يطول صبرهم كثيراً على أعمال جاليات تتقوقع حول نفسها وترفض الاندماج في مجتمعات الغرب، تارة بذريعة الحفاظ على التقاليد والعادات، وتارة أخرى بذريعة عدم الاختلاط بـ”الكفار والمشركين”. هؤلاء الذين رحبوا بكل مضطهد ومظلوم على أرضهم وتقاسموا معه أموال ضرائبهم ولقمة عيشهم.
قبل الحديث عن الإرهاب الإسلامي، أو الذي يتم باسم الدين الإسلامي، كما يحلو وصفه لدى رافضيه من المسلمين “المعتدلين”، والذي بدأ منذ سنوات طويلة في بريطانيا وإسبانيا كامتداد لاعتداءات 11 أيلول 2001 في الولايات المتحدة على يد تنظيم “القاعدة” وكانت آخر حلقات مسلسله في فرنسا العام الماضي على يد تنظيم “الدولة الاسلامية”، كان لا بد من تسليط الضوء على أعمال أخرى يرتكبها المهاجرون في بلدان أوروبا.
لعل أبرز هذه الأعمال تزوير المستندات وبطاقات الهواتف ووسائل النقل والأموال، بالإضافة الى السرقات والتجارة بها، وصولاً الى بيع المخدرات لتدمير الأجيال الصاعدة، والتي يتم بعضها بغطاء “شرعي” من بعض رجال الدين الذين يرون أن محاربة الغرب بالمخدرات جزء من المعركة مع “الكافرين”.
لقد أصبح الإنسان الأوروبي الملتزم بدفع الضرائب واحترام القوانين، حائراً أمام ما يراه من مكاسب يجنيها بعض هؤلاء المهاجرين من خلال أعمال معظمها غير مشروع، ومن نتائج تحايلهم على القانون، حيث يرسلون الأموال الطائلة الى أوطانهم فيبنون بيوتاً ويشترون عقارات من الصعب على هذا المواطن الذي يعمل من “الفجر حتى النجر” ان ينعم بها، بينما لا يزال معظم هؤلاء يتقاضون رواتب من ادارة الشؤون الاجتماعية المخصصة للعاطلين عن العمل، والتي تمول من اموال دافعي الضرائب.
يقبل اللاجئ ايدي وارجل ويتوسل مهربين ومسؤولين ورجال عصابات حتى يصل الى “جنته الموعودة”, وما ان يرسّخ اقدامه ويحظى بإقامة وأوراق شرعية حتى يبدأ بالمطالبة بمسجد وبمدرسة إسلامية وبرجال دين للدعوة وبتشريع النقاب والحجاب في المؤسسات التعليمية والشركات وغيرها، إضافة الى حرصه على الاقامة في غيتوات منفصلة عن المجتع السائد، بمعنى رفض الاندماج في مجتمع فتح ذراعيه لاستقباله.
هذه الحالات التي باتت منتشرة في بلدان أوروبا حيث تتمركز جاليات عربية واسلامية، هي سبب إضافي لامتعاض المواطن الأوروبي، طبعاً الى جانب انتشار الخلايا الإرهابية النائمة وأعمال القتل ومحاولات الاعتداء على مواطني ومصالح وممتلكات تلك الأوطان.
وربما جاءت حادثة مدينة كولونيا الهادئة على ضفة الراين لتثير ضجيجاً أخراً حول وجود اللاجئين الذين أتى بعضهم من قرى نائية في بلدانهم “المحافظة” ليتفاجأ بأجساد عارية تسير في الشوارع بحرية مطلقة، فلم يتمالك نفسه أمام صدمة حضارية أفقدته توازنه ليقوم بما قام به ويبصق في صحن الطعام الذي قدمته له تلك الحكومات التي يصفها بـ”الكافرة”.
لذلك جاءت ردود فعل اليمين المتطرف الذي يزداد نفوذه في أوروبا وخصوصاً في ألمانيا بلد “الرايخ الثالث”، لتؤسس لمفهوم جديد قد تتوسع دائرته، حول جدوى استقبال المهاجرين، وجدوى الالتزام باتفاقية جنيف انسانياً، فيما لا يقيم بعض الوافدين أي وزن لقيم إنسانية وأخلاقية لدى حاضنيهم.
فلا عجب أمام هذه الصورة التراجيدية المخجلة، أن تكون عصبية العنصرية قد باتت متأهبة جاهزة، خصوصاً أن مواقع التواصل الاجتماعي تحفل بتعليقات عنصرية تحاكي تعابير نازية قوية ولا تتردد من الإشارة إلى «الأفران» وتهيئة الأجواء لغربلة المواطنين على أساس العرق تماماً كما فعل النازيون.
ورغم وجود حركات ومنظمات مدافعة عن المهاجرين ورافضة لتعميم الجرائم في حالات معينة على كل الأجانب، ورغم انبراء سياسيين من نخب هذه الدول لمحاربة “الاسلاموفوبيا”، فإن حركات جديدة ظهرت مثل حركة “بيغيدا” واخواتها في المانيا وبعض دول اوروبا، لترفض “اسلمة” القارة العجوز. هذه الحركات وان كان انتشارها لا يزال محدوداً بفعل مناهضتها من فئات عديدة في تلك المجتمعات، وخصوصاً في المجتمع الالماني الذي لا يزال يعيش عقدة الذنب ازاء مجازر النازية، باتت تتكامل مع أحزاب ذات وجود شرعي تحتل مقاعد في البرلمانات المحلية والبرلمان الأوروبي.
ففي فرنسا باتت “الجبهة الوطنية” برئاسة مارين لوبن تحظى بـ 24 مقعداً في البرلمان الأوروبي، رغم انها في فرنسا تمتلك فقط مقعدين في الجمعية الوطنية.
وحقق “حزب يوكيب” (حزب الاستقلال) البريطاني المناهض لأوروبا والذي يتزعمه نايغل فاراج 22 مقعداً من اصل 73 مقعداً مخصصاً لبريطانيا في البرلمان ألأوروبي.
أما “حزب ألمانيا القومي الديموقراطي” فلديه مقعد واحد في البرلمان الأوروبي من ضمن 96 مقعداً مخصصاً لألمانيا، في حين تحظى كتلة الأحزاب المسيحية الديموقراطية المحافظة التي كانت تطالب بالحد من استقبال اللاجئين، على 214 مقعدًا.
ولـ”حزب من أجل الحرية” 24 مقعداً من أصل 150 في مجلس النواب الهولندي ما جعله ثالث أكبر الأحزاب في البلاد. كما يحظى بخمسة مقاعد في البرلمان الأوروبي. ويقود هذا الحزب السياسي المتطرف غيرت فيلدرز الذي أثار عاصفة من الاحتجاجات في العالم الإسلامي بسبب إنتاجه فيلماً مسيئا للإسلام بعنوان “فتنة”.
وفي المجر يمثل حزب “الحركة من أجل مجر أفضل” أو “يوبيك” واحداً من أكثر الأحزاب المتطرفة في أوروبا، فمبادئه ترتكز على النازية الصريحة، من حيث اعتباره العرق المجري مميزاً عن باقي الأعراق في أوروبا، وهو حزب معاد لكافة الأقليات والثقافات الوافدة. ولدى هذا الحزب 24 مقعداً من أصل 199 في البرلمان المجرين، وثلاثة مقاعد من أصل 21 مقعداً مخصصاً للمجر في البرلمان الأوروبي.
وفي النمسا يتصدر “حزب الحرية” اليميني القومي المتطرف، المشهد السياسي ويقوم على مبادئ نازية وهو ينادي بالاتحاد مع ألمانيا. وحصل الحزب في الانتخابات الأخيرة على 38 مقعداً من أصل 183 في البرلمان النمساوي، كما يشغل أربعة مقاعد من أصل 18 مقعداً مخصصاً للنمسا في البرلمان الأوروبي.
ولدى “حزب الشعب الدنماركي” اليميني ايضاً 37 مقعداً من أصل 179 في البرلمان بينما يشغل أربعة من أصل 13 مقعدا ًمخصصا للدنمارك في البرلمان الأوروبي.
و”حزب الديموقراطيين السويديين” يشغل 49 من أصل 349 مقعدا في البرلمان السويدي، ومقعدين فقط في البرلمان الأوروبي من أصل 20 مقعداً مخصصا للسويد.
ويحتل حزب”أتاكا” البلغاري 12 مقعداً في البرلمان البلغاري و4 من اصل 17 مخصصة لبلغاريا في البرلمان الأوروبي.
اما “حزب الفنلنديون الحقيقيون” فلديه 38 مقعداً محلياً و13 مقعداً اوروبياً، فيما يشغل “حزب الفجر الذهبي” اليوناني 17 مقعداً في البونان و21 في البرلمان الأوروبي.
ويبدو أن ليلة رأس السنة الكولونية قد شكلت منعطفاً خطيراً في ملف اللاجئين الى ألمانيا بشكل خاص وأوروبا بشكل عام. إذ بدأت الحكومة الالمانية بقيادة المستشارة أنغيلا ميركل في تشديد القيود على اجراءات الاستقبال واللجوء.
فالمستشارة التي حفلت بها وسائل الاعلام في السنوات الأخيرة كـ”أم حنون” للمهاجرين، والتقطت لها العديد من الصور مع اطفال اللاجئين في اوضاع انسانية مؤثرة، قد بدأت باتخاذ مواقف جديدة قد تعيدها الى المربع الأول الذي كان فيه حزبها “المسيحي الديموقراطي” المحافظ، سيما أن آخر تصريح لها (الاثنين 11 /01/2016)قد ذكرت أن أوروبا “معرضة للمخاطر” بسبب أزمة اللاجئين لأنها لم تسيطر بعد على الموقف إلى المدى الذي تطمح اليه.
وقالت ميركل في مناسبة تتعلق بقطاع الأعمال في مدينة ماينتس قرب فرانكفورت: “والآن وعلى حين غرة نواجه تحدياً يتمثل في تدفق اللاجئين الى أوروبا ونحن معرضون للمخاطر -كما نرى- لانه لم يتيسر لنا النظام والسيطرة التي كنا نود أن تكون لدينا”.
يبدو أن شبح الماضي العنصري بات يسيطر على أجواء القارة العجوز، التي قد تشهد ولادة ربما قيصيرية لـ”رايخ رابع” وان كان فرز الأجناس البشرية في هذا العصر من الصعوبة بمكان في ظل تلاقح الأجناس وضياع “الجنس النقي الخالص” وسط موجات الغزوات الديموغرافية.