معمر عطوي
“إذا لم تسمع طبول الحرب فينبغي أن تكون أصمّاً”، هذه الجملة لوزير خارجية أميركا الأسبق هنري كيسنجر، الذي يحاول الايحاء بأن إيران ستكون هدفاً للاعتداء الأميركي في المرحلة المقبلة. فأمام ما يشهده العالم من تهديدات متبادلة بين إيران من جهة، والولايات المتحدة ومن خلفها بعض دول الغرب، من جهة أخرى، يقف المراقب حائراً بين قناعة شبه راسخة لدى العديد من الاستراتيجيين والمحللين بأن لا مصلحة لأي طرف بخوض حرب كبيرة في المنطقة، وفرضيات تبدو قريبة من الواقع حول استعدادات حقيقية لخوض حرب ضد إيران تبدأ بضربة استباقية اسرائيلية للمفاعلات النووية في الدولة الاسلامية وتنتهي بحرب شاملة تشارك بها أساطيل الولايات المتحدة في الخليج وجحافلها في أفغانستان، بدعم لوجستي من بعض دول الخليج التي تزودت أخيراً بترسانة ضخمة من الأسلحة البرية والبحرية والجوية.
وما بين الرأيين يخرج علينا مهندس النزاعات الدموية في الشرق الأوسط خلال فترة السبعينيات من القرن الماضي، في حديث صحافي مقتضب نشرته«daily squib» بتاريخ 27 كانون الأول 2011، ليقول: “لقد اثرنا الذعر في روسيا والصين والمسمار الأخير في النعش سيكون إيران الهدف الرئيس لإسرائيل. لقد سمحنا للصين بأن تتنامى عسكرياً ولروسيا بأن تتعافى من أزماتها التي ورثتها عن الاتحاد السوفياتي لاعطائهما الشعور بتبجح مزيف سيخلق لديهما وسيلة أسرع لتلاشيهما تماماً. نحن مثل قناص شرس نجعل العدو يسعى الى التقاط البندقيه وحين يهم بفعل ذلك تنفجر به”.
إذن فالحرب قادمة على ما يرى كيسنجر، الذي له باع طويل في محاولة تقسيم لبنان وتهجير نصف أبنائه، لكن هذه الحرب حتى الآن لها اشكال أخرى منها اغتيال أربعة علماء نوويين إيرانيين، وعقوبات دولية بذريعة محاولة شل قدرة طهران على الاستمرار في برنامجها النووي، والجانب الآخر يتعلق بعمليات تخريب من خلال إرسال فيروسات الكترونية ضربت النظام المعلوماتي للبرنامج النووي.
وفي وقت يدور فيه جدل واسع بين تل أبيب وواشنطن حول جدوى شن ضربة عسكرية استباقية ضد المفاعلات النووية الإيرانية، مع الأخذ بعين الاعتبار مسألة رد الفعل الإيراني من خلال تنظيمات عديدة في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان، وصولاً الى تداعيات أي اقفال محتمل لمضيق هرمز الحيوي بالنسبة لنقل النفط الخليجي الى دول العالم، بدأ التهويل الأميركي بالحديث عن قنبلة خارقة للتحصينات أنتجتها شركة “بوينغ”ويبلغ وزنها ١٣،٦ طن وهي قنبلة ضخمة تستخدم ضد الأهداف المدفونة تحت الأرض. حسبما أفادت وكالة “رويترز” فإن القنبلة الضخمة “الذكية” نقلت من دون دعاية إلى قاعدة “وايتمان” الجوية فيولاية “ميزوري” الأميركية في أيلول الماضي. وهي مصممة لكي تلقي على هدفها المنشود قاذفات “ستيلث بي-2”.
أما تصريح كيسنجر والحديث عن قنبلة ضخمة تخترق التحصينات، فيأتيان في وقت لا تزال فيه تداعيات كشف طهران عن مفاعل نووي لتخصيب اليورانيوم (فوردو) داخل جبل بالقرب من مدينة قم جنوبي غربي العاصمة. وبالتزامن مع مساعي واشنطن الى اقناع دول آسيوية كبرى لانجاح فرض الحظر على استيراد النفط ووقف التعامل مع البنك المركزي الايراني، فيما تتحدث دول الخليج عن نيتها زيادة حجم صادراتها من النفط الى دول العالم بعيد انتهائها من إنهاء صفقات أسلحة بمليارات الدولارات تهدف الى استخدامها ضد جارتها الفارسية.
ورغم كل ما يُحكى عن عوائق تمنع نشوب الحرب مثل وجود أزمات إقتصادية ولوجستية لدى الدول الغربية مقابل قدرات إيرانية عسكرية فائقة، فإن مناخات الحرب مخيمة على الأجواء في المنطقة، سيما ان موقفي الصين وروسيا انتقلا من موقع الحياد السلبي الى الوقوف في المعسكر الآخر المناهض لحلف شمال الأطلسي، والموقف يتجلى الآن في سوريا بوضوح.
لعل أحد فصول هذه المناخات المشحونة بالتهديد والوعيد، تتمثل بإعلان الجيش الأميركي الأسبوع الماضي عن وصول حاملة طائرات جديدة إلى بحر العرب وأن حاملة اخرى في طريقها إلى المنطقة.
ورغم نفي البنتاغون وجود أي صلة لذلك التحرك بالتوترات التي نشبت في الآونة الأخيرة مع ايران على خلفية التهديد باقفال مضيق هرمز أمام حركة التجارة النفطية العالمية، يبدو أن الحرب بالفعل واقعة ولو على صعد نفسية ومعنوية واقتصادية، والا فان من لا يستمع صوت طبول هذه الحرب هو بالفعل أطرش كما يرى البروفسور الأميركي.