رد على مقالة محمد الحوت في مجلة الأقتصاد والأعمال
اطلعت متأخرا على المقابلة التي اجرتها مجلة ” الإقتصاد والأعمال” في عددها الأخير مع السيد محمد الحوت الرئيس الحالي لطيران الشرق الأوسط. ولما كنت أكّن خالص التقدير للمجلة نظرا لجديتها وسعيها الدؤوب وراء الحقيقة، فإنني رأيت من واجبي أن أصحح بعض الأخطاء أو الخطايا التي ارتكبها، متعمدا، السيد الحوت خلال المقابلة، علما بأنني امتنعت في ما مضى عن الرد عليه احتراما مني للشركة التي يرئسها.
1ــ يقول السيد الحوت في بداية المقابلة بأن سنوات رئاسته لمدة 18 عاما ليست شيئا من دون السبعين سنة “فلقد حملنا من تاريخ الشركة اسمها العريق وسجلا ذهبيا من السلامة بفضل سمعة دائرة الهندسة الخ.” نسي طبعا إضافة دائرة العمليات أي الطيارين الذين طبقت شهرتهم الافاق.
2ــ بعد ذلك ينقلب الحوت على نفسه ويتحدث عن الخسائر الباهظة التي تكبدتها الشركة “بعد أن تحولت إلى مرتع للتوظيف العشوائي من دون انتاج” إلا أنه يتبع ذلك قائلا وبلهجة متعالية “فقد كانت للميدل إيست خلال فترة الحرب علامات مضيئة وأياد بيضاء” والحقيقة أن الحديث عن التوظيف العشوائي بدأ فعلا بعد أن سيطرت حركتا أمل والحزب التقدمي الإشتراكي على بيروت في ما سمي حين إذن بحركة 6 شباط 1984، وذلك خلال رئاسة السيد سليم سلام للشركة. أما الواقع فهو أن الشركة، منذ بدء الحرب اللبنانية، شجعت الموظفين على الالتحاق بشركات طيران وأعارت قسما كبيرا منهم إلى شركات طيران أخرى، كما أن قسما كبيرا من الموظفين ترك الشركة بمحض اختياره. وكان أن احتاجت الشركة إلى عدد كبير من الموظفين لملء الشواغر في بعض الدوائر. وقد أجريت دراسة في ذلك الحين على التوزيع الطائفي للموظفين المعينين خلال تلك الفترة، إذ أن الشائعات، ولأقولها بصراحة، كانت تروج بأن أغلبية المعينين هم من المسلمين الشيعة، وتبين لي أن هؤلاء يشكلون 40 بالمئة من المعينين و35 بالمئة من المسلمين السنة و15 بالمئة من المسلمين الدروز و10 بالمئة من المسيحيين. أما قلة عدد المسيحيين فيعود حينئذ إلى صعوبة العبور بين البيروتين واستحالته في أوقات كثيرة
3ــ وهنا يصل الحوت إلى بيت القصيد أي إلى سنوات 1990 – 1998 ويطلق عليها اسم “السنوات الضائعة” وكأنها حلقة أو حلقات من مسلسل تركي! وهي في الحقيقة فترات ثلاث: الأولى 1990 – حزيران 1992 وكان السيد سليم سلام رئيسا لمجلس الادارة وقد تم خلالها الانهاء الفعلي للحرب الأهلية والحل النظري للمليشيات. الثانية: تموز 1992 – أيلول 1995 وكنت رئيسا لمجلس الإدارة خلالها وهي بالتحديد الفترة التي يتقصدها السيد الحوت. أما الثالثة: فتمتد حتى بدايات 1998 والتي أتى مجلسها بتوافق سياسي وجرى خلالها شراء حصص الار فرانس والانترا من قبل مصرف لبنان وكذلك زيادة الرأسمال زيادة كبيرة.
4ــ أما السنوات المقصودة أي 1992 – 1995 فكانت فعلا سنوات “حرب الدولة على الميدل إيست”. وإليكم التفصيل:
- لقي انتخاب المجلس الذي رئسته ترحيبا حارا من عمال وموظفي الشركة خاصة واللبنانيين عامة لأنه مثّل كلا من الرأسمال المادي أي المساهمين والرأسمال البشري أي العمال والموظفين ممثلين بستة من رؤساء الدوائر الكبيرة. طبعا عارض هذا المجلس منذ البداية معظم الطبقة الرأسمالية، وعلى رأسهم كبيرها، معتبرة أن تمثيل الموظفين في مجلس الادارة خطر على مصالحها في شركاتها، مع أن هذا النهج شاع في كثير من الدول المتقدمة.
- انصرفنا منذ تولى المجلس مهامه إلى وضع خطة مستقبلية لمدة خمس سنوات، ثم اختصرناها فيما بعد إلى ثلاث أهم ما فيها، توسيع شبكة الشركة وشراء أو استئجار طائرات حديثة وطلب تمويل هذه الخطة في حدود مئة وخمسين مليون دولار. نالت الخطة موافقة وإعجاب شركة ار فرانس التي كانت تملك ما يزيد عن 30 بالمئة من أسهم الميدل إيست، وهي الشركة العالمية المتمرسة في عالم الطيران المدني، وتبعا لذلك وافق مجلس الادارة على الخطة المقترحة.
- بينما كنّا نبذل الجهود القصوى لانهاء مشاريعنا المستقبلية إذ بنا نفاجأ بطرح مشروع دمج شركة TMA للشحن الجوي والميدل إيست. وكان ردنا واضحا وصريحا: يجب إجراء دراسة اقتصادية لتبيان ما إذا كانت هنالك ثمة فوائد من الدمج لكلا الشركتين، ومن ثم تقييم الشركتين على أسس علمية لتبيان حصة كل منهما في الشركة الجديدة.
- كان لموقفنا المبدئي هذا تأثير حاسم على مشاريعنا المستقبلية، إذ كان المطلوب سلق الموضوع وإعطاء ال TMA 40 بالمئة من الشركة الجديدة وذلك للسيطرة على قطاع الطيران المدني. وقد أدى كل ذلك إلى اهمال الخطة وفرض حصار مالي على الشركة في محاولة لخنقها، ومن ثم جرت محاولات عديدة لاقالة المجلس. وبعد فشل هذه المحاولات سحبت معظم صلاحيات المجلس الذي أصّر على استكمال مدته القانونية مما أحبط مشروع الدمج.
- لن أخوض طبعا في تفاصيل هذه الحرب الشعواء إذ أنني أعد حاليا كتابا سيتضمن شرحا لوقائع تلك الفترة. ولكن أكتفي بالقول أن مصرف لبنان الذي كان ولا يزال يملك الأنترا، المساهم الأكبر حينئذ في الميدل إيست، شارك مشاركة فاعلة في تنفيذ الحصار المالي والإداري على الشركة. ولا بد لي من إضافة نقطتين:
- وهنا لا بد لي من أن أنفي نفيا قاطعا ما ذكره الحوت من “أننا كنّا نلفت الانتباه دائما إلى خطورة الوضع..”. لقد عقدت عدة اجتماعات مع الحاكم خلال فترة ثلاث سنوات ولم يشر لا من قريب أو بعيد إلى ما ذكره الحوت، بل كان يردد لي دائما “أنتم أدرى بشؤون الشركة”.
- أما بالنسبة إلى شبكة الخطوط فيقول الحوت “كانت الإدارة تبادر إلى فتح خطوط بمجرد أن يقوم سياسي أو زعيم أو رئيس جمهورية بزيارة بلد ما”. مع أن هذا الادعاء لا يستحق التعليق فإنني أدعو الحوت إلى مراجعة الدراسات التي تملاء أدراج الدوائر المتخصصة في الشركة، كما أدعوه إلى أن يعتذر عن قوله السابق الذي فيه من الخفة الشيء الكثير.
وبعد كل ما تقدم يطل علينا السيد الحوت ليعيد تدوير أسطوانته المشروخة بأنه “لم يحصل شيء خلال تلك الفترة، ولعدم وجود للاصلاح بل لف ودوران، لا سيما لجهة فائض العمالة الخ..” تعليقا على موضوع الفائض الفت نظر الحوت إلى الأمور التالية:
أ ــ كانت خطة الشركة تقضي بتسيير رحلات إلى حيث يتواجد اللبنانييون أي إنشاء خطوط طويلة المدى مما يتطلب زيادة كبيرة في عدد الموظفين وكان ذلك متوفرا في الفائض.
ب ــ ومع ذلك فقد عرضنا على الموظفين الإستقالة الطوعية مع حوافز مالية واستجاب عدد ضئيل منهم لندرة الفرصة المتاحة في سوق العمل اللبناني.
جــ وحتى لا تسجل بطولات وهمية عن تخفيض مصاريف الشركة بعد صرف 1500 موظف عام 2001 أي بعد اربع سنوات من تنصيب الحوت رئيسا للميدل إيست، أسارع إلى القول بأن قسما كبيرا من المصروفين كانوا من دائرة الهندسة ونتج عن صرفهم زيادة كبيرة، مسكوت عنها، في نفقات صيانة الطائرات خارج لبنان كلفة أعلى بكثير من رواتب هؤلاء الموظفين. كما أنه يجب الإشارة هنا إلى أن قرار الصرف سبقه تخلي الإدارة عن تسيير رحلات بيعدة المدى نتيجة دراسة اجرتها مؤسسة أجنبية وأن قرار الصرف جرى تغطيته سياسيا من أعلى المراجع بعد أكثر من ثلاث سنوات بتسلم السيد الحوت منصبه وذلك في عهد الرئيس لحود الذي يبدو أن الحوت يناصبه العَداء. أما نتائج هذا الصرف الاجتماعية والانسانية فتستحق دراسة خاصة.
بقيت ملاحظات ثلاث أود الإشارة إليها:
1ــ الطيارون: السيد الحوت هو أول رئيس للميدل إيست منذ تأسيسها يتحدث عن الطيارين في هذه اللهجة العدائية. يقول فيهم أنهم الأعلى راتبا والأدنى إنتاجا مقارنة بنظرائهم في جميع الشركات في العالم وإنهم بمجرد التهديد بالاضراب يسود الرعب في الإدارة فتلبي مطالبهم! أما الواقع فهو أن العلاقة بين إدارة الشركة والطيارين ونقاباتهم كانت علاقة سلسة مبنية على الثقة والتقدير المتبادل بين الفريقين. ولقد جرى تحديد الراتب عبر تقييم رواتب الطيارين في شركات كبرى اهمها ال ار فرانس المساهمة في الميدل ايست ومن ثم تعديلها بالنسبة لفروقات غلاء المعيشة وعوامل أخرى. أما في الفترات الحرجة فقد تم التفاهم على التخلي عن هذه المعادلة دون أية اعتراضات. إن هذا التفاهم بين الادارة ونقابة الطيارين ونقابة المضيفين ونقابة العمال والموظفين كان عاملا رئيسيا إن لم يكن الأهم في استمرارية الشركة خلال الحرب اللبنانية التي لا يمكن مقارنة ظروفها بأية ظروف أخرى مرت على لبنان منذ انتهائها.
2ــ منذ عام 1996 ضخ مصرف لبنان في الميدل إيست مبالغ بقيمة 550 مليون دولار بعضها قروض بفائدة واحد بالمئة تم تحويلها إلى زيادة في رأسمال الشركة. وكما ذكرنا سابقا فقد أصبح مصرف لبنان مالكا للشركة بنسبة تزيد عن 99 بالمئة. ويبدو أن المصرف قد استرد أمواله من أرباح الشركة التي تحققت نتيجة التحسن التدريجي للوضع اللبناني وتدهور الأوضاع في العراق أولا ثم في سوريا. وكان الحاكم قد أعلن منذ بضع سنوات نيته بيع 25 بالمئة من أسهم الشركة ضمن شروط معينة. ولما كان السيد الحوت قد صرح، بعد دراسة معمقة، أن قيمة الشركة أصبحت مليار دولار، فلماذا لا يقدم مصرف لبنان على تنفيذ نيته بالبيع خاصة وأنه، قانونا، لا يحق للمصرف تملك أية مؤسسة خاصة لمدة تزيد على أربع سنوات؟
3ــ عندما سئل السيد الحوت عن توزيع الأرباح دون انعقاد جمعيات عمومية حال السائل إلى الحاكم قائلا “نحن دعونا لجمعية عمومية ولكن المساهم هو الذي اتخذ القرار بعدم انعقادها”. وهنا لا بد من التساؤل: هل يستطيع المساهم مهما كان يملك من الأسهم منع انعقاد جمعية عمومية سنويا كي تصادق على النتائج المالية وانتخاب مجلس جديد كل ثلاث سنوات؟ علما بأن المسؤولية هنا تقع قانونا على مجلس الإدارة وعلى الحاكم في آن إذا كان هنالك من وثيقة خطية بتوقيعه على منع الانعقاد.
- الرئيس الأسبق للميدل إيست