سني – شيعي: صناعة الكراهية المقدّسة
معمر عطوي
يأبى العديد من المسلمين وعلى رأسهم مشايخهم ودعاتهم أن يعترفوا بوجود نحو 90 في المئة من القواسم المُشتركة بين السنة والشيعة؛ يكفي أنهم يؤمنون بإله واحد ويقرأون في قرآن واحد ويعتقدون بالنبي محمد كخاتم للأنبياء، ويؤمنون بالملائكة والرسل ويوم الميعاد وبالقضاء والقدر الخ..
فهم رغم ذلك يصرّون على اظهار الفوارق التي لا تتجاوز العشرة في المئة بينهم.
الأنكى من ذلك، أن هذه الفوارق التي يختلفون حولها هي بمعظمها تنطبق عليها الآية الكريمة: (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
مع ذلك يُصرّ كثير من أمة محمد على الاستغراق في الماضي، والسؤال عمن لا يجوز السؤال عنه حتى وفق قواعد القرآن ومقاصد الشريعة، لأن العودة الى التاريخ بصوره الفتنوية السيئة ليس لصالح أي فريق من المسلمين اليوم. لهذا تجد المغالين في حب آل بيت الرسول يعبّرون عن كرههم لبعض صحابة النبي حتى ولو كان هذا الصحابي من صانعي مجد الإسلام والمضّحين بالغالي والنفيس في سبيل الدعوة.
هؤلاء المغالون مستعدون لمخالفة من يقدّسونه من أجل إرضاء نزعة الكراهية والحقد في قلوبهم. فهم يمجّدون بالامام علي ويجعلونه في مصافٍ أعلى من الأنبياء ومع ذلك يخالفون قوله: «إنِّي أكره لكم أنْ تكونوا سبَّابين، ولكنَّكم لو وصفتم أعمالهم، وذكرتم حالهم كان أصوب في القول وأبلغ في العُذر، وقلتم مكان سَبِّكم إيَّاهم: اللَّهمَّ احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهْدِهم مِن ضلالتهم، حتَّى يعرف الحَقَّ مِن جَهله».
فمناقشة سلوك وممارسات وأخلاقيات أي شخص من شخصيات الإسلام في بداياته، سواء كانوا صحابة أو من آل بيت الرسول وحتى الرسول نفسه، مناقشة مشروعة بشرط أن تكون داخل الأطر العلمية والبحثية المتعلقة في التاريخ وأحداثه، لا من منطلق مزاجي على اساس حب أوكره أو عبادة شخصية أوحقد على شخصية أخرى.
لقد وصل الينا عبر التاريخ وحروبه وفتنه العديدة ذهنية إقصائية لا يمكن التفاهم معها، تقوم على التخوين والتكفير من دون أن تنظر الى إيجابيات هذا الشخص أو ذاك. ولتجد أشخاصاً لا قيمة لهم علمية او اجتماعية يتطاولون على صحابة الرسول الذين فتحوا البلاد وصنعوا الأمجاد وغيّروا مجرى التاريخ.
فتجاهل كل منجزات وأعمال الصحابة لأجل مواقف معينة فيه نوع من الإسفاف والظلم، هنا يكون البحث التاريخي الموضوعي كفيلاً بجلاء العديد من الغموض في بعض القضايا التي تثير الفتن بين المسلمين.
لعل العلامة الراحل محمد حسين فضل الله كان من أبرز المتصدّين للروايات المغلوطة عن الصحابة بكل جرأة وعقلانية، حين شكك في بعض الروايات التي تسئ الى عمر وأبي بكر. وربما كانت خطواته ناقصة في إعادة الاعتبار للصحابة في الوسط الشيعي على اعتبار أن ذلك قد يسحب البساط من تحت قدميه كمرجعية شيعية لمصلحة المراجع الأكثر تشدداً ومغالاة.
طبعاً أهل السنة غير منصفين بحق أهل البيت أيضاً، لا شك انهم يجلون الإمام علي وأولاده ويكنون لهم كل حب ومودة، لكنهم لا يتعاطون بمسؤولية تاريخية مع قضية الحسين واستشهاده، ولا يعرّفون أولادهم على قيمة علم وأخلاقيات أئمة أهل البيت بالمقدار الذي يتحدثون فيه عن الصحابة، بل يغالون في حب الصحابة والدفاع عنهم وكأن الله قد أوكلهم بالدفاع عن هؤلاء. طبعاً داخل صفوف أهل السنة مدارس ومذاهب عديدة منها ما يجلّ أهل البيت بدرجات قد تكون أكثر مما يقوم بها الشيعة، ومنهم من اختار خط يزيد وهم قلة فانعكست أفكاره في شريحة معينة باتت لا تؤمن بأي من ائمة أهل البيت بعد الحسنين.
المشكلة نفسها مع الشيعة الذين لا ينظرون الى الحياة إلا من خلال حب أهل البيت وتقديسهم وجعل الأئمة الاثني عشر في مراتب مخلوقات غير بشرية مقدّسة ومعصومة عن الخطأ وفي مرتبة أعلى من مراتب الأنبياء.
قد يكون ذلك ردة فعل متبادلة من الطرفين؛ المغالاة بحب أهل البيت لدى الشيعة جعلت بعض أهل السنة لا يهتمون بهذه الشريحة من الناس. والمغالاة في حب الصحابة لدى السنة جعلت الشيعة يتعاطون بسلبية مع هذه الشريحة. واذا أردنا ان نكون منصفين ينبغي النظر الى التاريخ بعينين مفتوحتين لا بعين واحدة، ولا وفق ذهنية حاقدة تنشر الكراهية قبل أن تُدرك الحقائق.
هي رواسب تاريخية انطلقت من ولاء سياسي لهذا الفريق أو ذاك، وأصبحت قناعة دينية ومعتقداً آيديولوجياً، خاضعاً لقانون الحساب. وكأن الله الذي يؤمن به المسلمون لا شغل له يوم الحساب المذكور في الكتاب، الا معرفة مدى حب هذا الشخص أو كره ذاك الشخص. وقد يظن البعض انه حتى لو قتل وسرق وزنى وفسد في الأرض سيغفر له ربه بمجرد دفاعه عن عمر وأبو بكر أو تقديسه لعلي والحسن والحسين.
الشئ المثير للإشمئزاز أن كل هذه الأعمال الملحمية التي تُقام في عاشوراء بداعي حب الحسين والوقوف ضد الظلم، تتجاهل استشهاد ثلاثة من إخوة ابي عبدالله في هذه الموقعة، فقط لأن أسماءهم هي أبو بكر وعمر وعثمان!!
هذا نموذج مُصغّر عن عدم وضوح التاريخ ورواياته المتناقضة في زواريب السياسة والمصالح الدنيوية. تناقضات تحولت مع الوقت الى مواجهات دموية مقدّسة لا علاقة لها بأخلاقيات ما يقوله السنة والشيعة معاً عن جوهر رسالة الإسلام.
هكذا تمت صناعة الكراهية في المساجد والحسينيات، لدرجة أن بعض الإيرانيين كانوا الى فترة ليست ببعيدة يقومون بزيارة قبر أبي لؤلؤة المجوسي فقط فقط لأنه قتل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب. ثم صدر قرار رسمي من المرشد الأعلى علي خامنئي باغلاق القبر أمام الزوار درءاً للفتنة، وفي هذا القرار، ولو جاء متأخراً حكمة نتمنى أن يتم اسقاطها على العديد من مواضيع الخلاف.
يحتاج التاريخ إلى رجال بحث موضوعي للتحقيق في غياهبه، لا الى رجال دين يتنافسون في صنع الكراهية وسط أتباعهم لأن خطاب الحقد هو الطريق الأسهل لاستقطاب الجهلة والغوغاء بنظرهم وهذه القاعدة تجعل الدين في وادٍ والأخلاق في واد آخر.
ماذا يفيد هؤلاء الجهلة من رجال الدين لو كسبوا كل غوغاء العالم وخسروا أنفسهم؟ هذا ما يقع به رجال الدين ولا أقول علماء الدين لأن العالِم هو من يصنع التطور ويخترع الأمور التي تنفع البشر لا ذلك الذي يعيدهم آلاف السنين الى الوراء.
ربما كان الأجدى لو يتحول خطاب الاسلام الى خطاب وحدوي يسعى الى تبيان نقاط اللقاء بدل الخلاف، وهذا فيه مصلحة للمسلمين ودرءاً عنهم لمفسدة هم بغنى عن وجودها، لأنهم طالما بقوا ماكثين في هذه الذهنية القبائلية سيظلون بعيدين عن قيم الأخلاق التي هي إن ذهبت ذهبوا الى غير رجعة.